إعادة توجيه الموارد من أجل التصدي لمرض «كوفيد-19»

يسعى مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية جاهدًا للإسهام بجهوده في سباق البحث عن علاج فعَّال لمرض «كوفيد-19»

Ashrab Habib @2019

يتحدث أحمد العسكر، المدير التنفيذي لمركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية (كيمارك) عن جهود المركز في تحويل اهتمام مختبراته وبنيته الأساسية البحثية إلى التركيز على فيروس كورونا المُستجد «سارس-كوف-2»، وهو الفيروس المُسبب لمرض «كوفيد-19». وعلى غرار عديد من المؤسسات في جميع أنحاء العالم، يبحث المركز عن طرق إعادة توجيه العقاقير الحالية لخدمة أغراض جديدة  بعد عزل فيروس كورونا المُستجد من مريض في المملكة العربية السعودية وتحديد تسلسله الجيني. ويعكف باحثو المركز في الوقت الحاليّ على دراسة آلاف المُركَّبات والأدوية الموجودة حاليًا، مستعينين بطائفة متنوعة من أحدث التقنيات. وعلاوة على ذلك، تمكَّنوا من توليد جزيئات جديدة رائدة باستخدام الأساليب الحاسوبية (النمذجة)، وسيجري تخليق هذه الكيانات الكيميائية الجديدة (NCE) وتحليلها خلال اختبار لفيروس حي.

فيروس كورونا المُستجد يُعدّ هدفًا لأبحاث مكثفة في المملكة العربية السعودية، لا سيَّما في كيمارك، وقد سبق أن أعلنتم عن إحراز تقدم فيما يتعلق بعزل الفيروس وتحديد تسلسله الجيني، فهلا تفضَّلتم بتسليط الضوء على بعض المسارات البحثية التي يستكشفها المركز حاليًا؟

هناك عدة طرق لإعادة توجيه أدوية حالية في مواجهة مرض «كوفيد-19»، ويستخدم الباحثون تقنيات مختلفة للبحث بين آلاف المركَّبات والأدوية الموجودة بالفعل. ويتوافر لدينا عددٌ من هذه التقنيات.

هل يمكنكم إعطاء مثال لهذه التقنيات، وكيف تساعد الباحثين؟

نحن نستخدم النمذجة الجزيئية والكيمياء الدوائية والفحص عالي الإنتاجية للأدوية المُعتمَدة من هيئة الغذاء والدواء (FDA)، وهو ما سيمنحنا ميزةً للتعجيل بطرح العقار في السوق، نظرًا إلى أن هذه الأدوية قد اجتازت بالفعل المرحلة الأولى (السلامة والسُمية) من التجارب السريرية.

وهذا يقودنا إلى إحدى تجاربنا السريرية، فنحن، على سبيل المثال، نستخدم البيولوجيا الحاسوبية والمعلوماتية الحيوية للبحث بين جزيئات الأدوية الموجودة واكتشاف المواضع التي ترتبط فيها داخل الفيروس المُسبب لمرض «كوفيد-19» أو الجينوم الخاص به، بغية التنبؤ بما إذا كان يمكن استخدامها في مواجهة هذا المرض. فضلًا عن ذلك، تمكنَّا من التعبير عن أحد إنزيمات «كوفيد-19» الرئيسية واختبار الأدوية التي أقرَّتها هيئة الغذاء والدواء. ونأمل أن نستطيع من خلال هذه الجهود إعادة توجيه أحد الجزيئات الدوائية الحالية في علاج المرض.

نحن ننظر إلى بنية الفيروس من ثلاثة أبعاد، ونحاول معرفة أين يرتبط الدواء بالفيروس، وما إذا كان يرتبط بهدف حسَّاس في الفيروس، كأن يغلِّف بروتينًا أو إنزيمًا،  ما قد يؤدي إلى قتله. يتطلب الأمر استهداف بعض البروتينات المستهدَفة، مثل الإنزيمات، أو الشفرات الوراثية، كالحمض النووي الريبي (RNA)، أو الليبيدات التي تغلّف الفيروس، والتي عادة ما تكون كثيرة، مما يتيح للحاسوب محاولة مطابقتها مع الأدوية محلّ البحث. هذا ما نقوم به الآن، ونحن في طريقنا إلى التوصل إلى عدد من المركّبات التي سيجري التحقق من فاعليتها في المختبر وفي التجارب السريرية المخطط لها.

هل يتوافر لديكم عددٌ كافٍ من المرضى السعوديين لإجراء هذا النوع من التجارب؟

نعم، فنحن نتعاون مع عديدٍ من المستشفيات في المملكة العربية السعودية كي نتمكن من الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المرضى والعيّنات. كما تجري عدة مشروعات كبرى على قدمٍ وساقٍ في جميع أنحاء المملكة، وبعضها تقوده مؤسسات أخرى غير كيمارك.

ذكرتم أنكم تحاولون إعادة توجيه عديد من الأدوية الحالية في علاج مرض «كوفيد-19» التي أقرَّتها في السابق الهيئة العامة للغذاء والدواء بالمملكة العربية السعودية (SFDA). فهل هناك دواء محدد أو مركبات دوائية يمكن وصفها بأنها واعدة للغاية؟

نشارك في التجربة السريرية الدولية التي تحمل اسم «تضامن» (Solidarity) وتقودها منظمة الصحة العالمية. هذه التجربة تهدف إلى اختبار العقاقير ريمديسيفير وكلوروكين ولوبينافير مع ريتونافير وإنترفيرون β1b، وتضم مرضى في عديد من البلدان، من بينهم مرضى في سبعة مستشفيات بالمملكة العربية السعودية. وهناك تجربة أخرى على المستوى المحلي يقودها كيمارك، يُستخدم فيها عقار فافيبيرافير، وهو الدواء الذي ابتكرته شركة«فوجيفيلم توياما كيميكال» Fujifilm Toyama Chemical اليابانية والمعتمَد لعلاج نوع معين من الإنفلونزا في اليابان. لقد أجرينا فحصًا بيولوجيًا حاسوبيًا، وتوصلنا إلى أن عقار فافيبيرافير يعدّ مرشَحًا مناسبًا. ولمواصلة اختبارات عقار فافيبيرافير، خلَّقنَا منه بعض الجزيئات المماثلمة التي سيجري اختبارها في بوليميراز الحمض النووي الريبي المعتمد على الحمض النووي الريبي (RdRP) – وهو إنزيم يلعب دورًا حاسمًا في تكاثر الفيروس. نحن بصدد تجربة الفافيبيرافير في تركيبة تضم الهيدروكسي كلوروكين، وهو الدواء الذي يُستخدَم عادة لعلاج الملاريا والوقاية منها.

تُثار بعض الشكوك بخصوص قدرة العالَم على التوصل سريعًا إلى لقاح، فقد سبق وتعرضنا منذ سنوات لأنواع أخرى من الفيروسات التاجية، مثل الفيروس المُسبب للمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس-كوف) والفيروس المُسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس-كوف)، ولا توجد حتى الآن لقاحات لأي منهما. فما الذي قد يجعل فيروس كورونا المُستجد «سارس-كوف-2» مختلفًا عنهما في هذا الصدد؟

حجم تأثير مرض «كوفيد-19» في العالم يفوق كثيرًا تأثير الفيروسات التاجية الأخرى؛ فقد كان تأثير المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس) ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) محدودًا، ومن ثمَّ لم يكن العالم بأسره تحت ضغط للتعجيل بتطوير لقاح كما هو الحال الآن. وبالنسبة لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وصلت ثلاثة لقاحات بالفعل إلى مرحلة التجارب السريرية في جميع أنحاء العالم، من بينها لقاح توصَّلنا إليه بالتعاون مع جامعة أكسفورد. وهذا اللقاح المحتَمل لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية يمر الآن بالمرحلة الأولى من التجارب السريرية [ويعود تاريخ انطلاق هذا المشروع البحثي إلى عام 2016]. وبالنظر إلى مقدار الوقت الذي يستغرقه تطوير لقاح، فإن هذا يُعدَّ بالفعل أسرع وتيرة من المعتاد. مع ذلك، فإن الجهود المتسارعة المبذولة حتى في البحث عن لقاح لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية تُعد بطيئة نسبيًّا إذا قُورنت بمثيلاتها في إيجاد لقاح لمرض «كوفيد-19». فبالنسبة لمرض «كوفيد-19»، فإن العالم ينطلق بأقصى سرعة شهدناها على الإطلاق، من ناحية مقدار العلم الذي يجري تطويره ومشاركته. فهذه القضية محور تركيز العالم كله بموارده في الوقت الحاليّ. وهو ما يبعث على الأمل.

مع تركيز كيمارك على الجائحة الحالية، هل تعتقدون أن الأبحاث المتعلقة بمرض «كوفيد-19» قد تستنزف مواردكم المالية أو تصرف الانتباه أو الموارد عن مجالات بحثية مهمة أخرى في المركز، مثل أبحاث السرطان، على سبيل المثال؟ وما الطريقة التي يمكن أن يحقق بها المركز توازنًا في اعتقادكم؟

بالتأكيد تتأثر المجالات البحثية الأخرى غير «كوفيد-19»، على المستويين المالي واللوجيستي، من ناحية الموارد والقدرة على إجراء الأبحاث بل وسيمتد تأثير ذلك إلى المرضى أنفسهم. ومما لا شك فيه أن هذا التأثير سيطال كل شيء، وسيستمر تأثر الجهود البحثية الأخرى فترة من الزمن.

References