البحث عن علاجات أفضل لمرض آلزهايمر

التقدم المُحرز في أبحاث مرض آلزهايمر على مدار السنوات القليلة الماضية يبعث آمالاً متزايدة في العثور على علاجات أكثر فاعلية، في ظل توجيه أصابع الاتهام للبكتيريا كسبب محتمل للمرض.

قراءة

SCIEPRO/SCIENCE PHOTO LIBRARY/ Getty Images

كشف مؤخرًا باحثون في جامعة ولاية نيويورك عن مسار محتمل لاستعادة الذاكرة المفقودة وغيرها من الوظائف الإدراكية التي تعتبر من السمات المفجعة لمرض آلزهايمر1.

تأتي النتائج بشكل رئيس من الأبحاث على الفئران والخلايا البشرية المستزرعة، إلا أن الباحثين أفادوا بأن الأفكار المستخلصة من الفئران تتوافق في الوقت الحالي مع ثمار العمل المبكر الجاري على الخلايا البشرية.

يستهدف عملهم التغييرات في تنظيم نشاط الجينات الرئيسة، وليس تسلسل الحمض النووي للجينات، إذ ظل مرض آلزهايمر لفترة طويلة يُعزى إلى مزيج من الجينات التي تسبب قابلية الإصابة بالمرض والعمليات التنظيمية الجينية الدقيقة، المعروفة باسم الوراثة اللاجينية.

تتضمن إحدى آليات التحكم الشائعة بالوراثة اللاجينية إضافة مجموعات ميثيل (CH3) إلى بروتينات تسمى الهِستونات، من شأنها أن تتجمع مع الحمض النووي للكروموسومات وتتحكم في نشاط الجينات.

كان الاكتشاف الأول الرئيس الذي توصل إليه الباحثون هو أن عملية "مثيلة" الهستون لدى الفئران المصابة بشكل من أشكال مرض آلزهايمر تقلل بشكل كبير من نسب ونشاط البروتينات اللازمة للنقل المعتاد للنبضات العصبية في الدماغ.

إن البروتينات هي مستقبلات موجودة في أغشية الخلايا العصبية وترتبط بالناقل العصبي الجلوتامات. تسمح جزيئات الناقل العصبي للإشارات بالانتقال عبر خلية عصبية واحدة للتأثير على نشاط الخلايا الأخرى. وهذا التوصيل هو جوهر الطريقة التي تعمل بها خلايا دماغنا معًا لتشكيل عقولنا.

كشف البحث عن أن عملية "المثيلة" المدمرة يحفزها بروتينان، هما EHMT1 وEHMT2، اللذان تبين وجود نشاط مرتفع لهما في أدمغة الفئران المصابة بمرض آلزهايمر. كما أشار فحص أنسجة بشرية مأخوذة من مرضى متوفيين إلى ارتفاع نشاط "المثيلة" من النوع المحفَّز بفعل بروتيني EHMT1 وEHMT2. يشكل هذا الاكتشاف حلقة وصل بالغة الأهمية بين الدراسات التي تُجرى على الفئران والمرض لدى الإنسان.

استرجاع الذكريات

افترض الباحثون أن مفتاح علاج هذا الجانب المحدد من مرض آلزهايمر قد يكون منع عملية "المثيلة". ولحسن الحظ، كانت المواد الكيميائية التي تثبط البروتينين المضطلعين في هذه العملية معروفة بالفعل، مما يسمح باختبار هذا الافتراض بسهولة.

حقق حقن الفئران المصابة بمثبط للبروتينين EHMT1 وEHMT2 ما أطلق عليه الباحثون "إنقاذ" الوظيفة الإدراكية، وهو ما تأكّد من خلال اختبارات لذاكرة التعرّف، والذاكرة المكانية، والذاكرة العاملة. اشتملت هذه الاختبارات على اختبار قدرة الفئران على تذكر طريقها خلال المتاهات وإثبات التعرف على أشياء صادفتها سابقًا.

تقول تشن يان العضوة بفريق البحث: "لقد فوجئنا تمامًا بهذا التحسن الإدراكي الضخم".

ولا يزال الطريق طويلًا للانتقال من مرحلة النتائج الأولية التي حصل عليها الباحثون من نموذج الفئران إلى مرحلة تطوير علاج للبشر واختباره واعتماده. ومع ذلك، فقد فُتح باب أمل جديد، ويمضي فريق البحث في بافالو قدمًا في تطوير عملهم.

ذكرت يان أن فريقها قد أجرى تجارب إثبات جدوى على الخلايا العصبية البشرية المستزرعة لتأكيد أن هذا النهج يمكن أن يؤدي لاستعادة وظيفة التأشير في الخلايا البشرية. وصرّحت بأن النتائج "الواعدة" ستُنشر قريبًا.

وتقول جانا فويت، رئيسة قسم الأبحاث في مؤسسة بحوث آلزهايمر بالمملكة المتحدة تعليقًا على الورقة البحثية: "أحد أكثر الجوانب المذهلة في أبحاث الوراثة اللاجينية هو أن التغييرات التي تحدث يمكن أن تكون قابلة للإلغاء". واختتمت فويت تعليقها قائلةً: "هذه النتائج المثيرة للاهتمام لدى الفئران تتطلب منَّا الآن المضي قدمًا في إجراء الدراسات على البشر، لاستكشاف ما إذا كان يمكن أن تشكّل الأساس لابتكار علاج في المستقبل".

صلة ببكتيريا الفم

بالنظر إلى بداية أسباب مرض آلزهايمر وتأثيراته، اكتشف الباحثون مؤخرًا دليلًا مفاجئًا على أن المرض قد يكون مرتبطًا بالبكتيريا التي تسبب مرض اللثة2.

فقد اكتشف بحث تقوده شركة الأدوية الحيوية الأمريكية «كورتيكسيم» Cortexyme وجود بكتيريا وحيدات الخلية البورفيرينية اللثوية Porphyromonas gingivalis، وهي بكتيريا مرتبطة بمرض اللثة المزمن، في أنسجة أدمغة مرضى آلزهايمر بعد الوفاة. كما وجد الباحثون أيضًا أن مستويات هذه العدوى البكتيرية أظهرت وجود ارتباط مع نسب نوعين من البروتين، يطلق عليهما "تاو" و"يوبيكويتين"، وهما يسببان خللاً وظيفيًا في الدماغ ويتراكمان بها في مرض آلزهايمر. فعندما أصيبت الفئران بعدوى بكتيريا وحيدات الخلية البورفيرينية اللثوية، وُجد أن البكتيريا تستعمر الدماغ، مع زيادة إفراز البروتينات التي تتجمع لتكوّن تجمعات تسمى لويحات الأميلويد، وهي المسؤولة أساسًا عن التلف الموجود في الأدمغة المصابة بمرض آلزهايمر.

ولم يكن هناك أي دليل على انتقال نوعين آخرين شائعين من بكتيريا الفم إلى أدمغة الفئران، مما يشير إلى أن الارتباط بمرض آلزهايمر قد يقتصر على بكتيريا معينة، أو ربما على بكتيريا وحيدات الخلية البورفيرينية اللثوية وحدها.

تفرز البكتيريا نفسها بروتينات سامة تسمى الجينجيبين، وقد عُثر عليها أيضًا في أنسجة أدمغة مرضى آلزهايمر بنسب ترتبط ببروتيني تاو ويوبيكويتين.

يقول ستيفن دوميني من فريق شركة "كورتيكسيم": "نعتقد أن بكتيريا وحيدات الخلية البورفيرينية اللثوية وبروتينات الجينجيبين المرتبطة بها تسبب غالبية الحالات المُشخَّصة بمرض آلزهايمر في الوقت الحالي". وفي حالة التأكد من هذا، فمن المؤكد أنه سيكون تقدمًا مذهلًا في فهم المرض.

من الدلالات المحتملة الواضحة لارتباط البكتيريا بالمرض أن تدني مستوى النظافة الصحية للفم قد يزيد من خطر الإصابة بمرض آلزهايمر. وهكذا، فإن الحرص على النظافة الصحية للفم ربما يكون وسيلة بسيطة لتقليل مخاطر الإصابة بالمرض. إلا أن دوميني يحثّ على توخي الحذر في هذه المسألة.

إذ يشير إلى أنه "من الوارد جدًا أن تدخل بكتيريا وحيدات الخلية البورفيرينية اللثوية وبروتينات الجينجيبين إلى الدماغ دون التسبب أولاً في مرض اللثة".

كذلك، تحثّ تارا سبايرز-جونز، نائبة مدير مركز علوم الدماغ الاستكشافية بجامعة إدنبرة، على توخي الحذر قائلة: "يعاني الأشخاص المصابون بمرض آلزهايمر أيضًا من اختلال الحاجز الدموي الدماغي، مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بعدوى في الدماغ. إذًا، فعلى الرغم من أن هذه البيانات مثيرة للاهتمام، فمن المحتمل أن تكون العدوى عرضًا ثانويًا وليست سببًا للمرض".

ومع ذلك، تستكشف شركة كورتيكسيم إمكانية استخدام العقاقير التي تثبط نشاط بروتينات الجينجيبين البكتيرية من أجل علاج مرض آلزهايمر. وقد أجروا اختبارات أولية على نموذج لفأر مصاب بمرض آلزهايمر، باستخدام مثبطات الجينجيبين التي صممتها الشركة وصنَّعتها. وقد منعت المثبطات إفراز بروتين الأميلويد بشكل كبير، وأدت إلى الحد من التهاب وتنكس الخلايا العصبية.

بدأت الشركة في الوقت الحالي تجربة سريرية كبيرة على أحد العقاقير المثبطة لبروتينات الجينجيبين التي أنتجتها. وقد أفاد دوميني بأنهم يبحثون أيضًا فيما إذا كان يمكن أن تكون بكتيريا وحيدات الخلية البورفيرينية اللثوية من أسباب الأمراض التنكسية العصبية الأخرى.

سُبل أخرى

تستهدف مقاربة واعدة أخرى من مقاربات الأبحاث الحديثة البكتيريا أيضًا، ولكن هذه المرة بكتيريا الأمعاء وليس بكتيريا الفم. استخدم الباحثون بقيادة سانجرام سيسوديا، من جامعة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية، المضادات الحيوية لتغيير التجمعات البكتيرية المعوية في الفئران المصابة بشكل من أشكال مرض آلزهايمر. وقد اكتشفوا وجود تغيرات يمكنها الحد من التهاب الدماغ وتكوين لويحات الأميلويد، ولكن الأمر المحير أن هذا يحدث حتى الآن في ذكور الفئران فقط3.

يستكشف الباحثون في أماكن أخرى الإجراء الوقائي المطلقفي شكل لقاحات يمكنها منع مرض آلزهايمر من المساس بالدماغ من الأساس. وقد طوّر كيران باكسار وزملاؤه في جامعة نيو مكسيكو بالولايات المتحدة الأمريكية لقاحًا قائمًا على الفيروسات يحفز استجابة مناعية فعّالة ضد بروتينات تاو المسببة لمرض ألزهايمر، مما يؤدي إلى استعادة بعض الوظائف الإدراكية، وحتى الآن، لم يحدث هذا سوى في الفئران4.

سيمثل هذا البحث بالتأكيد دفعة إلى الأمام على العديد من الأصعدة لإيجاد علاج وخيارات وقائية أفضل من المساعدة المحدودة التي يمكن للعقاقير المتاحة حاليًا توفيرها.

References

  1. Zheng, Y., Liu, A., Wang, Z-J., Cao, Q., Wang, W. et al. Inhibition of EHMT1/2 rescues synaptic and cognitive functions for Alzheimer’s disease. Brain 142, 787-807 (2019).  | article
  2. Dominy, S. S., Lynch, C., Ermini, F., Benedyk, M., Marczyk, A. et al. Porphyromonas gingivalis in Alzheimer’s disease brains: Evidence for disease causation and treatment with small-molecule inhibitors. Science Advances : eaau3333 (2019). | article
  3. Dodiya, H.B., Kuntz, T., Shaik, S. M., Baufeld, C., Leibowitz, J. et al. Sex-specific effects of microbiome perturbations on cerebral Aβ amyloidosis and microglia phenotypes. The Journal of Experimental Medicine 216 1542-1560 (2019)  | article
  4. Maphis, N. M., Peabody, J., Crossey, E., Jiang, S., Ahmad, F. A. J. et al. Qß Virus-like particle-based vaccine induces robust immunity and protects against tauopathy. npj Vaccines 4 Article 26 (2019) | article

أقرأ أيضا

صحة القلب والأوعية الدموية: قوة التعلُّم الآلي 

التعلُّم الآلي يتنبأ بدقة بالعلاقة بين اللياقة القلبية التنفسية والوفيات.