12 أبريل 2020
ع تسارع وتيرة انتشار مرض فيروس كورونا (المعروف اختصارًا باسم كوفيد-19)، كثَّف مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية (كيمارك) جهوده البحثية المتعلقة بالفيروس «سارس-كوف-2» SARS- CoV- 2 المسبّب للمرض. وتأتي هذه الجهود ضمن التحركات الرامية إلى احتواء الوباء، فبالإضافة إلى إغلاق المدارس والجامعات، و تعليق الرحلات الجوية الدولية، وجميع الفاعليات العامة، أعلنت حكومة المملكة العربية السعودية حظرًا للتجوال، كما أوقفت رحلات العُمرة مؤقتًا.
وكانت المملكة قد سجَّلت حتى التاسع والعشرين من شهر مارس الماضي 1299 حالة إصابة بمرض «كوفيد-19»، وهو أكبر عدد من الإصابات المُعلَن عنها في دولة عربية واحدة، إضافة إلى ثماني حالات وفاة، وفقًا لمكتب منظمة الصحة العالمية الإقليمي لشرق المتوسط. وكان أغلب الحالات المُعلن عنها قد سُجلت في مدينة الرياض.
وتزداد احتمالات الوفاة نتيجة الإصابة بالفيروس لدى كبار السن ومَنْ يعانون نقصًا في المناعة ومَنْ لديهم أمراض كامنة والأشخاص الذين يعانون أمراضًا مزمنة كالسكّري أو أمراض القلب والرئة. ومن بين أعراض الإصابة بالفيروس: ارتفاع الحرارة والسُعال وضيق التنفس، وتتراوح تلك الأعراض ما بين خفيفة وحادة، وقد تؤدي إلى التهاب رئوي (ذات الرئة) أو فشل عضوي.
«ميرس -كوف» و«سارس-كوف-2»
رغم الخبرة الواسعة التي اكتسبتها المملكة العربية السعودية مع فيروس آخر ينتمي إلى عائلة الفيروسات التاجية وهو الفيروس المُسبِّب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس- كوف) MERS-CoV، فإن مستوى الاضطراب الذي أحدثه فيروس «سارس- كوف-2» للمجتمع السعودي، وتهديده للصحة العامة، غير مسبوق.
يقول أحمد العسكر، المدير التنفيذي لكيمارك والأستاذ المساعد لأمراض الدم لدى البالغين: "أدت نوبتا تفشّي فيروس كورونا المسبِّب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية في المملكة العربية السعودية في أعوام 2012 و2015 إلى إغلاق بعض المستشفيات. لكن الأمر لم يستدع حينها تعليق أنشطة المجتمع وإغلاق الأماكن العامة، كما نشهد الآن، لأن طرق انتشار فيروس كورونا المستجد مختلفة تمامًا".
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، كانت المملكة العربية السعودية بؤرةً لأكبر نوبة تفشٍ لفيروس كورونا المُسبِّب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، إذ أصاب 2077 شخصًا وأدى إلى 773 حالة وفاة. اكتُشف هذا الفيروس للمرة الأولى لدى مريض كان يعاني من التهاب رئوي في المملكة عام 2012، ثم تفشى مُجددًا عام 2015. وسرعان ما أعطت المملكة الأولوية لأبحاث فيروس كورونا المُسبِّب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية وخصَّصت موارد سخية لدراسة الخصائص الوبائية له، وإجراء تجارب سريرية على العلاجات واللقاحات المحتملة.
وأوضح العسكر أن المملكة العربية السعودية قد استفادت من خبرتها مع ميرس في التعامل بفاعلية أكبر مع نوبة التفشّي الحاليّة. ولكنه حذَّر من أن الفيروس المُتحوِّر الجديد لا يختلف اختلافًا جوهريًا عن فيروس كورونا المُسبِّب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية وحسب، ولكنه يجلب معه أيضًا جُملة من التحديات التي ينفرد بها.
ويبدو أن هناك تشابهًا بين متلازمة الشرق الأوسط التنفسية ومرض «كوفيد-19»، كما يجمع بينهما كثير من الأعراض. فمن المرجَّح أن العوامل الممرضة المسؤولة نشأت في الخفافيش، و كليهما ينتقلان بالاتصال المباشر مع شخص مصاب، وتزداد احتمالية انتقال العدوى في الزحام. غير أن الفيروس الجديد ينتقل بسهولة أكبر.
يقول العسكر: "رغم أن الفيروس المُسبِّب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية أكثر حِدة في تأثيره على المرضى، ويتسبب في معدلات وفيات أعلى، فإن مرض «كوفيد-19» أسرع انتشارًا بكثير".
وتتباين التوقعات بشأن مدى توافر الأَسرَّة المتاحة في أقسام العناية المُركَّزة في أنحاء المملكة، لكن العسكر يشير إلى المشكلة العالمية المتمثلة في أن "نُظُم الرعاية الصحية لن تتمكن من التعامل مع إصابة المجتمع بأكمله بالمرض في الوقت ذاته".
وحذَّر زياد ميمش، كبير استشارييّ الأمراض المُعدية لدى البالغين في مدينة الملك سعود الطبية، في تعليق نشرته دوريَّة «جورنال أوف إبيدِميولوجي آند جلوبال هيلث»Journal of Epidemiology and Global Health1، من أن "مكافحة كلا الفيروسين -«ميرس- كوف» و«سارس- كوف- 2»- سوف تُشكِّل تحديًا كبيرًا للعاملين في مجال الرعاية الصحية".
جدير بالذكر أن وزارة الصحة السعودية أعلنت في العشرين من مارس الماضي ثلاث إصابات أخرى بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية. وأوصى ميمش بإجراء فحوصات لفيروسي «ميرس- كوف» و«سارس- كوف- 2» في آنٍ واحدٍ.
للخبرة دور
يمكن للخبرات البحثية التي اكتسبتها المملكة من تعاملها مع متلازمة الشرق الأوسط التنفسية أن تزوِّد العلماء بأدلة تُمكِّنهم من فهم طبيعة الفيروس الجديد وكيفية احتوائه، فضلًا عن التوصل إلى طرق للتشخيص و العلاجات الممكنة.
"إن المعرفة المُسبقة للعوامل التي تؤدّي إلى حدوث نوبات تفشٍ للأمراض أمرٌ مهمٌ للغاية. ومعرفتنا السابقة بشأن الفيروسين المُسبِّبين للمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية يُمكن أن تُساعدنا على أن نضع أقدامنا على الطريق الصحيح لاتّخاذ خطواتنا الأولى نحو التعامل مع هذا الفيروس المستجد"، حسب قول إسلام حسين، عالم الفيروسات لدى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا سابقًا، والباحث في مجال اكتشاف العقاقير وأحد كبار العلماء لدى شركة «مايكروبيوتكس» Microbiotix.
ويضيف حسين أن هذه المعرفة يُمكن أن تُساعد المجتمع البحثي على وضع تصوُّر عن انتقال فيروس كورونا المُستَّجِد وكيفية التعامل معه بفاعلية.
ويشرح قائلًا: "نظرًا إلى أننا في مرحلة حرجة، فإن جميع الأبحاث التي أُجريت في السابق عن التدابير الوقائية واللقاحات ومضادات الفيروسات التي اكُتشفت ووُضعت على الأرفف ولم تُطرَح مطلقًا في الأسواق ستكون مفيدة".
كانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت في العشرين من مارس الماضي عن تجربة عالمية كبيرة متعددة البلدان، تحمل اسم تضامن «سوليدارَتي» Solidarity من المتوقع لها أن تُطلق عملية جريئة وسريعة للبحث عن أدوية باختبار أربعة عقاقير أو توليفات علاجية على الفور. ستنظر تجربة التضامن أيضًا في شأن الأدوية غير المعتمدة التي أظهرت نتائج واعدة في مقاومة الفيروسين المُسبِّبين للمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس) ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) عند تجريبها على الحيوانات.
كما أعطت شركة الأدوية الحيوية الأمريكية «جِيلياد ساينسز» Gilead Sciences، عديدًا من التجارب السريرية حقَّ الوصول إلى عقار «ريمدسيفير» remdesivir، وهو دواء مضاد للفيروسات واسع الطيف -ابتُكِر في الأساس لعلاج الإيبولا- لاستخدامه تجريبًيا في مقاومة مرض «كوفيد-19».
وفي الوقت نفسه، انضم كيمارك إلى السباق العالمي الذي يهدف إلى اكتشاف علاج ولقاحات، بزيادة أبحاث فيروس كورونا المُستَّجِد، مُوجهًا بعض موارده إلى إجراء دراسات متفحصة بشأن المرض.
قبل ظهور فيروس «سارس-كوف-2» في مدينة ووهان الصينية، ديسمبر 2019، كان مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية يعمل بالفعل على تطوير لقاح جديد لفيروس ميرس، والذي كان قد جرى اختباره على الإبل بنجاح، ونُقل للتوِّ إلى مرحلة التجارب على البشر. وتُوفر هذه الجهود الآن البنية الأساسية اللازمة لعلماء الفيروسات وعلماء الأوبئة والباحثين في مجال الأمراض المعدية في كيمارك، وفي جميع أنحاء المملكة العربية السعودية، لبناء معرفة بخصوص مرض «كوفيد-19»، بما في ذلك الأدوات اللازمة لدراسة الفيروس الجديد والتعامل معه بأمان.
يقول العسكر: "نحن بدأنا بالفعل. التحدي الوحيد أمامنا أنه ليس لدينا إلى الآن عدد كاف من العينات والمرضى، لأننا نتعامل حاليًا مع عدد أقل من المرضى مُقارنة بعددِ مَن أُصيبوا بفيروس «ميرس-كوف»"
وحسب العسكر، فقد نجح باحثو كيمارك في عزل الفيروس الجديد من العينات السريرية للمرضى وتمكَّنوا من تحديد تسلسله الجينومي كاملًا، ويشرح قائلًا: "تحديد التسلسل الجينومي الكامل للفيروس سيؤدي في النهاية إلى تحديد أهداف معينة للعلاج ولتتبُّع الفيروس، إذ بإمكان الفيروس أن يطوّر مقاومة أو يتحوَّر، وبهذه الطريقة سنتمكن من رصد هذا الأمر".
ورغم أن أشكال التعاون الدولي لم تتبلور بعد في هذا الصدد، يبحث كيمارك عن شركاء في مجال الأبحاث داخل المملكة العربية السعودية.
يوضِّح العسكر أن علماء مركز كيمارك يعملون حاليًا بالفعل على تنسيق الجهود مع مراكز بحثية أخرى في البلاد، لجعل استخدام التجارب السريرية التي انطلقت بالفعل للتعامل مع الفيروس المُسبِّب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) ممكناً، والاستفادة منها في التعامل مع الحالات المصابة بمرض «كوفيد-19»، ومشاركة البيانات.
ويتضمَّن هذا أبحاثًا واعدةً في مجال الأجسام المضادة وحيدة النَسيلة، وهي بروتينات مُخلَّقة تُستنسَخ من خلايا مناعية وتُستخَدم في العقاقير التي تعمل على تجنيد الوظائف الطبيعية للجهاز المناعي للتعرف على الفيروس وتدميره.
يقول العسكر: "نعمل في الوقت الحاليّ أيضًا على ابتكار اختبارين تشخيصيين سريعين. ولكنهما ما زالا في مرحلة مبكرة، ونحاول التحقُّق من صحتهما. وأُكرِّر أن هذين الاختبارين قد صُمِّما في الأساس من أجل التعامل مع فيروس «ميرس-كوف» ولكننا نستنسخهما من أجل مرض «كوفيد-19»".
وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تُبذَل حاليًا، فإنه من غير المرجَّح أن يظهر في وقتٍ قريبٍ علاج أو لقاح يؤدي إلى قلب المعادلة. كما لم يتضّح بعد ما إذا كانت المملكة العربية السعودية سوف تسرع من وتيرة جهودها البحثية، أو تطوير الأدوية، أو اختبار لُقاح باستخدام نَهج المسار السريع.
يوضّح العسكر قائلًا: "كما نرى الآن مع جائحة مرض «كوفيد-19» العالمية واسعة الانتشار، فإن العالم بأكمله يحاول تتبع الطرق المختصرة للأبحاث بصورة أساسية، وتواجه جميع الهيئات الحكومية والعلمية ضغوطًا من أجل الموافقة على استخدام البيانات المبكّرة بهدف اعتماد لقاحات وعلاجات. ولم نشهد مطلقًا ابتكار لقاح خلال فترة تتراوح بين أربعة إلى ستة أسابيع، ودون إجراء اختبارات معمقة أو حتى محدودة على الحيوانات، وأرى أن هذا ينطوي على مخاطرة"، ففي المعتاد يستغرق الأمر عامًا واحدًا على الأقل لتطوير لقاح ما.
References
- | article