مستهدَفاتٌ علاجية جديدة لداء السكري من النوع الأول

سُبُلٌ جديدة تتكشَّف نحو تحكمٍ أفضل في داء السكري من النوع الأول، وبعضها يُظهر حالياً نتائج واعدةً في التجارب السريرية.

JUAN GAERTNER/SCIENCE PHOTO LIBRARY/ GETTY IMAGES

داء السكري من النوع الأول أحد أمراض المناعة الذاتية، إذ يهاجم ويستنزف خلايا بيتا في البنكرياس، وهي الخلايا المسؤولة عن إفراز هرمون الإنسولين الذي يُنظِّم امتصاص الخلايا للجلوكوز. وقد ظل تعاطي الإنسولين بشكلٍ منتظم العلاجَ المعتاد لهذا المرض على مدار سنواتٍ كثيرة، غير أن هذا العلاج يتحكَّم في الأعراض فحسب، ولا يمنع تطوُّر المرض أو يساعد على تراجعه. 

يعجز كثير من المرضى عن التحكم بفاعلية في نسب جلوكوز الدم في أجسامهم على المدى الطويل باستخدام الإنسولين، ومن ثمَّ يبقون عرضةً للإصابة بفرط كيتون الجسم، أي إفراز الكيتونات عند استخدام الدهون كمصدر للطاقة، وقد يعانون كذلك من تقلباتٍ عشوائية في نسب جلوكوز الدم، تتضمَّن نوباتٍ مدمرة من نقص السكر في الدم (hypoglycemia). ومن بين التأثيرات طويلة المدى لتلك المضاعفات حدوث مشكلاتٍ في الأوعية الدموية ما يُسبِّب تلفًا خطيرًا للعينين والكليتين والقدمين. 

يعكف الباحثون حاليًّا على استكشاف عدَّة مسارات للتوصُّل إلى علاجاتٍ جديدة قد تُتيح علاجًا أكثر ملاءمة، وتُقلِّل من المضاعفات والمشكلات المرتبطة بتعاطي الإنسولين على المدى الطويل، إلى جانب إمكانية اكتشاف المرض في مراحله المبكرة والحدّ من تأثيره. 

من بين الخيارات المطروحة استخدام خلايا مانحة مزروعة ، مثل الخلايا الجذعية، سعيًا لإنتاج مجموعة جديدة من خلايا بيتا السليمة. وفي حين يُعدّ هذا الأسلوب واعدًا إلى حدٍ ما، ثمة تحدياتٌ كبيرة تعترض طريقه وتتعلق بالحصول على الخلايا المناسبة للزرع ودفعها للاندماج والنمو في بيئتها الجديدة. 

أثبتت تجربتان سريريتان حديثتان الإمكانيات المحتملة التي تنطوي عليها أساليب علاجية بديلة تعتمد على التخفيف من حدة الهجوم المناعي الذاتي، أو تحسين التحكم في جلوكوز الدم من الناحية الكيميائية الحيوية، وقد يتأتَّى ذلك عبر تحسين معدل بقاء خلايا بيتا واستمرارها في أداء وظائفها.

في أحد هذين الأسلوبين العلاجيين، أجرى باحثون في جامعة نورث كارولاينا بالولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع شركة «ڤي تي ڤي ثيرابيوتكس» vTv Therapeutics في ولاية نورث كارولاينا، تجربةً تكيفية من المرحلة الأولى ب/الثانية لاختبار عقار يعمل على تنشيط أحد الإنزيمات في الكبد1. هذا العقار، المعروف باسم TTP399، يرتبط بإنزيم جلوكوكيناز ويعمل على تنشيطه، والمعلوم أن هذا الإنزيم يضيف مجموعات الفوسفات إلى الجلوكوز. وقد أثار هذا الإنزيم انتباه الباحثين لأن الطفرات في الجين الذي يشفِّره مرتبطة بتغيراتٍ في جلوكوز الدم وتوازن الإنسولين. وفي تجربةٍ شملت أقل من 100 مشارك، نجح العقار في إبطال تأثير نقص السكر في الدم على نحوٍ آمن وفعَّال لدى مرضى السكري من النوع الأول. غير أن هذا العلاج لم يخضع للاختبار بوصفه بديلًا للعلاج بالإنسولين بل اختُبر كعلاجٍ إضافي أو "مساعد" قد يحسِّن من مستوى التحكم في نسب جلوكوز الدم، ويقلل من المضاعفات المرتبطة بالعلاج بالإنسولين وحده. 

تجدر الإشارة إلى أن العلاج حقق انخفاضًا في وتيرة نوبات النقص الحاد في سكر الدم بنسبة بلغت 40% لدى المرضى الذين تلقوه، مقارنةً بأولئك الذين لم يتلقوا سوى علاج الإنسولين المعتاد بالإضافة إلى العلاج الوهمي. وإضافةً إلى ذلك، انخفضت نسب الكيتون لديهم -والتي تُرصَد كإفرازاتٍ في البول- انخفاضًا ملحوظًا. 

يقول الباحثون المشاركون في الدراسة إن نتائجهم تشير إلى أن العلاج يعمل على تحسين مستوى التحكم في نسب سكر الدم بطريقة "فريدة من نوعها على حد علمنا"، ويضيفون أنه نظرًا إلى قدرة العلاج على منع المضاعفات المرتبطة بالعلاجات الأخرى، فإنه "يعتبر تطورًا جوهريًا في علاج داء السكري من النوع الأول".

ومنحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية هذا الأسلوب العلاجي لقب "العلاج الإنجازي" اعترافًا منها بنتائجه الواعدة، ما من شأنه أن يتيح مزيدًا من مصادر الدعم المالي لشركة « ڤي تي ڤي » المطوِّرة للعلاج، فضلًا عن إمكانية تيسير  دعم إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لتطوير العقار وتسريع عملية المراجعة التي تفضي إلى التصريح بالاستخدام السريري له.

أما الأسلوب العلاجي الثاني فقد خضع مؤخرًا للتجارب السريرية من المرحلة الثانية، إذ اختبر فريقٌ بحثي دولي كبير علاجًا مركبًا يعتمد على جسم مضاد صُمِّم لتخفيف حدة الهجمة المناعية على خلايا بيتا، إلى جانب عقار «ليراجلوتايد» liraglutide الذي يُستخدم على نطاقٍ أكثر شيوعًا في علاج داء السكري من النوع الثاني2.  

صُمِّم الجسم المضاد، الذي يُعرَف باسم مضاد-الإنترلوكين-21 (IL-21)، ليرتبط ببروتين الإنترلوكين-21 ويُثبِّط نشاطه، وهذا البروتين التأشيري الطبيعي يلعب دورًا في تعزيز تفاقم داء السكري من النوع الأول في النماذج الحيوانية. أما عقار «ليراجلوتايد» فهو جزيء اصطناعي كبير الحجم معروف بقدرته على تحسين معدل بقاء خلايا بيتا واستمرارها في أداء وظائفها. 

وقد خلصت التجربة إلى أن العلاج المركب قد يساعد خلايا بيتا على الاستمرار في أداء وظائفها لدى الشباب الذين شُخِّصت حالتهم حديثًا بأنهم مصابون بداء السكَّري من النوع الأول. وفي حين تبدو فاعلية هذا العلاج مشابهةً للعلاجات الموجودة بالفعل، فإن بيانات التجربة تشير إلى أنه يتمتع بمستوى أفضل من ناحية الأمان. ويشعر الباحثون أن هذه النتائج مشجعة بما يكفي للتحرك قدمًا نحو إجراء التجارب السريرية من المرحلة الثالثة، والتي ستتضمن مجموعةً أكبر بكثير من المشاركين.

وفي هذا السياق، يقول توماس بيبر، من جامعة جراتس الطبية بالنمسا والمؤلف المراسل للورقة البحثية التي تستعرض هذه النتائج: «التدخلات العلاجية المعدِّلة للمرض في داء السكري من النوع الأول سوف تصبح العلاج المعتاد الجديد للمرضى الذين شُخِّصت حالتهم حديثًا بأنهم مصابون بالمرض».

ويضيف بيبر أن تجارب المرحلة الثالثة سوف توسِّع نطاق البحث ليشمل الأطفال، وهم إحدى الفئات التي يُرجَّح أن تستفيد على المدى الطويل من تدخلٍ علاجي جديد قادرٍ على التحكم في المرض في مراحله الأولى. 

فضلًا عما سبق، ثمة عدة تطوراتٍ مُبشِّرة تشهدها جهودٌ بحثية مخبرية لا تزال في مراحلها المبكرة ولم تبلغ بعد مرحلة التجارب السريرية. فعلى سبيل المثال، اكتشف باحثون في ألمانيا مُستقبِل غشاءٍ خلويًا جديدًا يلعب دورًا في تأشير الإنسولين، ويزداد نشاطه لدى الأفراد المصابين بداء السكري من النوع الأول. وتشير التجارب الأولية التي أُجريت على الفئران إلى أن تثبيط هذا المُستقبِل قد يمنع استنزاف خلايا بيتا أو حتى يدعم تجدُّدها3. 

وفي مقال مراجعة نُشِر مؤخرًا، ناقش باحثون من مركز سدرة للطب والبحوث في قطر الأسباب التي تدفعهم إلى الاعتقاد بأن داء السكري من النوع الأول يعد مُرشَّحًا واعدًا للغاية لتجريب أساليب الطب الشخصي، الذي يهدف إلى تطبيق "العلاج المناسب في الوقت المناسب على المريض المناسب". ويستعرض الباحثون في هذا المقال طيفًا واسعًا من المبادرات العلاجية -بدءًا من العلاج الجيني ومرورًا بالعقاقير الجديدة ووصولًا إلى التغييرات في النظام الغذائي- التي يقولون إنها قد تأذن بعهد جديد في العلاجات الموجَّهة إلى الاحتياجات الخاصة لدى كل فرد4. ربما تجلب الأساليب العلاجية الشخصية فوائد كبيرة إذا ما أخذنا في الاعتبار حقيقة أن بداية ظهور المرض وتطوُّره، فضلًا عن الاستجابة للعلاج، عوامل تختلف اختلافًا بيِّنًا باختلاف الأفراد. 

بناء على ما سبق، يبدو مستقبل تحسين التحكم في داء السكري من النوع الأول أو إمكانية تراجعه أو الوقاية منه واعدًا على عدة أصعدة. بيد أن كل تلك الآمال تخضع للاشتراطات المعتادة المتعلقة بتحويل الأبحاث المخبرية إلى تجارب سريرية أولية، يليها التحقق من نتائجها في تجارب أوسع نطاقًا، ثم في ممارسة سريرية مُوسَّعة في نهاية المطاف. 

References

  1. Klein, K. R., et al. The SimpliciT1 Study: A Randomized, Double-Blind, Placebo-Controlled Phase 1b/2 Adaptive Study of TTP399, a Hepatoselective Glucokinase Activator, for Adjunctive Treatment of Type 1 Diabetes. Diabetes Care 44 960-968 (2021). | article

  2. von Herrath, M., et al. Anti-interleukin-21 antibody and liraglutide for the preservation of β-cell function in adults with recent-onset type 1 diabetes: a randomised, double-blind, placebo-controlled, phase 2 trial. The Lancet Diabetes & Endocrinology 9 212-224 (2021).  | article

  3. Jain, A. C., et al. Inceptor counteracts insulin signalling in β-cells to control glycaemia. 590 326-331 Nature, 590 326-331 (2021). | article

  4. Akil, A. A-S., et al. Diagnosis and treatment of type 1 diabetes at the dawn of the personalized medicine era. Journal of Translational Medicine 19 Article No. 137 (2021) | article

أقرأ أيضا