30 يونيو 2019
تتَّسم الأطراف الاصطناعية الحديثة بأنها أقوى وأخف وزنًا من أي وقت مضى، وذلك بفضل المواد الجديدة والبلاستيك المطوّر. كما أنها توفر تحكمًا وقدرات أفضل، عن طريق أجهزة إلكترونية مصغرة وطاقة حاسوبية أكبر. ويُمكن أيضًا ضبط المفاصل الآلية أوتوماتيكيًّا. وتولِّد المكونات ووحدات التحكّم التي تعمل بالهواء المضغوط حركاتٍ للركبة والكاحل تحاكي الحركة الطبيعية.
لكن القدرة المحسنة على المناورة لا تشكّل إلا نصف الصورة.
من هنا، يعمل فريق، معظمه من باحثين عرب من جامعة كونيتيكت وجامعة تورنتو، على تطوير أعضاء اصطناعية سوف تتمكن بسلاسة تامة من استشعار بيئتها والتفاعل مع الدماغ لمساعدة المصابين بحروق جلدية، وأولئك الذين يستخدمون أطرافًا اصطناعية، في استعادة الشعور باللمس عن طريق مستشعرات إلكترونية.
ويتمثل أحد التحديات الرئيسية التي يواجهها إدماج مستشعرات مرنة وذات توافقية حيوية في الجلد الاصطناعي أو الأطراف الاصطناعية، في الحاجة إلى طاقة. وقد شكل ابتكار مولدات كهرباء الاحتكاك النانوية (TENG) تطورًا ملموسًا في هذا الصدد. إذ تنتج هذه المولدات، والتي ابتكرها علماء صينيون عام 2012، تيارًا كهربائيًّا عندما تتلامس مادتان، إحداهما موجبة القطبية والأخرى سالبة القطبية، ثم تنفصلان أو تنزلقان عن بعضهما بعضًا.
إن مولدات كهرباء الاحتكاك النانوية، التي عادةً ما تُستخدم بشكل أكبر لتحويل الطاقة الميكانيكية إلى طاقة كهربائية، يمكن استخدامها أيضًا كمستشعرات. وقد ابتكر مهندسون في جامعة تورونتو بكندا وكيميائيون في جامعة كونيتيكت بالولايات المتحدة الأمريكية مستشعرًا مرنًا مقاومًا للماء يمكنه التعرُّف على أشكال مختلفة من الحركة والضغط ومخاطر محتملة مختلفة.
تقنية تعيد حاسة اللمس لفاقديها
يقول إسلام موسى، من جامعة كونيتيكت: "كنا نحاول في بادئ الأمر إنتاج مستشعر جلدي لاستعادة الشعور باللمس لدى الأشخاص الذين فقدوا أطرافهم أو الذين عانوا من حروق، ثم أردنا إضافة وظائف غير أخرى وجودة في الجلد البشري".
أطلق موسى ومعاونوه اسم مولد كهرباء الاحتكاك النانوي المعتمد على السوائل الممغنطة (FO-TENG) على نموذجهم الأولي. والسوائل الممغنطة هي سوائل تحتوي على جسيمات مغناطيسية نانوية عالقة تصبح مغناطيسيًّا في وجود مجال مغناطيسي. ويتكون هذا المولد من مستعلق سائل من جسيمات أكسيد الحديد النانوية داخل أنبوب سيليكون مغلف بملف نحاسي، وكل ذلك مُحتجز في هلام مطاطي سيليكوني.
و تسبِّب المحفِّزات، كالمجالات المغناطيسية، والموجات الصوتية والقوى المادية المباشرة، تحرُّك الأنبوب السيليكوني والسائل الممغنط بالتناسب مع بعضهما بعضًا، وهو ما يولد شحنة إيجابية في الأنبوب وشحنة سلبية في السائل الممغنط. وهذا يولّد تيارًا تيارا كهربائيًّا يلتقطه السلك النحاسي، فيفعّل المستشعر. ويختلف هذا التيار الكهربائي الناتج وفق قوة المغناطيس ودرجة قربه.
وهذا يعني أن الجهاز له القدرة على إنتاج مخرَجات مختلفة للمشي، أو الجري والقفز، مع تبايُن قوة الإشارة وفق شدّة الحركة. ولم يضعف أداء المستشعر مع إطالته إلى ثلاثة أضعاف طوله الطبيعي، ومع تجعيده وطيّه ولفّه.
وأظهرت عمليات المحاكاة تحت الماء أن المستشعر ولّد أنماطًا مختلفة من التيار الكهربي؛ استجابةً لأحجام وأشكال مختلفة من الموجات. ويشير الباحثون إلى إمكانية استخدام مولد كهرباء الاحتكاك النانوي المعتمد على السوائل الممغنطة لتتبُّع أداء السباحين، وللعمل كجهاز إنذار في حالات الغرق. حول ذلك، يقول موسى: "حركة الشخص الذي يغرق تتسم بعشوائية يمكن تمييزها عن حركات السباحة المتكررة".
كما طور الباحثون برنامجًا بسيطًا لمعالجة الإشارات ليبرهنوا على إمكانية تمييز الاختلافات في مُخرَجات مولد كهرباء الاحتكاك النانوي المعتمد على السوائل الممغنطة في الظروف المختلفة. وهم بصدد بحث تطبيقات الجهاز في مجال الأطراف الصناعية، والروبوتات، والجلد الاصطناعي، ونظم مراقبة الرعاية الصحية عن بُعد والأجهزة التي يمكن ارتداؤها لرصد المخاطر.
ويقول أليكس تشورتوس، وهو باحث في مجال تطوير الإلكترونيات المطاطة في جامعة ستانفورد، لم يشارك في مشروع مولد كهرباء الاحتكاك النانوي المعتمد على السوائل الممغنطة، إن قابلية المستشعر للمطّ تجعله مفيدًا بشكل خاص في تطبيقات معينة. فيقول تشورتوس: "هذا النوع من البنى الأنبوبية مفيد؛ نظرًا إلى إمكانية دمجه بسهولة مع البنى البيولوجية، وذلك ليس أمرًا يسهل القيام به بجهاز مسطح، مرن يتجعد ويتحرك".
نحو تطوير المجال
تبدو التطورات التي أُنجزت في السنوات الأخيرة في مجال الإلكترونيات المرنة واعدة، لكن المكونات المصممة للأطراف الاصطناعية المتطورة والجلد الاصطناعي يجب أن تكون قادرةً على التفاعل بسلاسة مع الجسم البشري. وقد طوّر تشورتوس وزملاؤه في فريق البروفيسور جينان باو في جامعة ستانفورد دارةً مرنةً قابلةً للمطّ، يمكنها استشعار درجات متفاوتة من الضغط ونقل تلك المعلومات في صورة إشارات يمكن للمخ أن يتعرف عليها.
ويقول تشورتوس: "نظرًا إلى أن هذه المعلومات تُشفّر بالطريقة نفسها التي يشفّر بها جسم الإنسان المعلومات، فيمكننا إدخال تلك الإشارة مباشرةً في أشياء مثل الأعصاب".
وفي ورقة بحثية نُشرت عام 2018، أثبت الفريق إمكانية التعرُّف على اتجاه جسم وسرعته عند حركته عبر أجهزة استشعار الضغط خاصتهم. كما تمكنوا أيضًا من تعرُّف أحرف برايل عند ملامستها لمجموعة من مستشعراتهم. كما أمكنهم التحكّم في عضلات ساق صرصور منفصلة عن طريق إشارات كهربائية تولّدت بإحداث ضغط على مستشعراتهم.
كان تشورتوس أحد أعضاء الفريق الذي نشر في العام الماضي تفاصيل التكنولوجيا التي صُمِّمت لتحقيق حساسية للضغط مماثلة للشعور بالضغط عند البشر. ويحتوي "الجلد الإلكتروني" الذي ابتكره الفريق على مصفوفات من المكثفات التي يمكنها قياس شدة القوى واتجاهها في الوقت نفسه وبصورة آنية. وقد بيّن الباحثون الكيفية التي يمكن بها استخدام هذا الجلد للسماح لروبوت بالتعامل مع أجسام هشة كثمار التوت دون الإضرار بها.
ويتمثل تحدٍّ رئيسي آخر في إيجاد طرق جديدة لتصنيع الجلود والأطراف الصناعية بحيث تُدمج بها على نحو فعال المستشعرات المرنة الجديدة والمحركات وشرائح الكمبيوتر والمكونات الأخرى. وفي العام الماضي (2018)، دلل فريق يقوده باحثون في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة على إمكانية دمج ميزات ومواد متعددة في روبوتات مرنة مطبوعة طباعةً ثلاثية الأبعاد، باستخدام حبر عضوي مُوصِّل نجحوا في تطويره. وقد أنتجوا واختبروا ماسكة روبوتية ثلاثية الأصابع يمكنها استشعار اللمس الخفيف والقوي، والانحناء ودرجة الحرارة.
وقد تطورت النظم المعقدة التي تتيح للجسم البشري فهم ما يجري حوله عبر ملايين السنين. ويمثّل تطوير الجيل التالي من الأطراف الاصطناعية والجلد الاصطناعي اللذَين يمكنهما محاكاة هذه القدرة والتواصل مع الأنظمة البيولوجية، ومن ضمنها الجسم، تحديًا كبيرًا. ويصبح تطوير هذه النظم أقل صعوبة عند تقسيمها إلى أجزاء أصغر وأكثر قابلية للتعامل معها، شأنها في ذلك شأن الإشكاليات المعقدة الأخرى. وتشير الدلائل الحديثة إلى أن العلماء قد شارفوا على ترجمة النظريات القائمة على السماح للأطراف الاصطناعية والجلد الاصطناعي باستشعار محيطها إلى واقع تكنولوجي.
References
- | article