6 مايو 2020
في حين يلوذ ملايين حول العالم بالحجر الصحي داخل منازلهم، التزامًا بقواعد التباعد الاجتماعي لينأوا بأنفسهم عن الإصابة بفيروس »سارس-كوف-2« القاتل، فإن العاملين في القطاع الصحي، ممن يحتلون الخطوط الأمامية في مواجهة هذه الجائحة، يخاطرون بحياتهم كل يوم. وفي هذا المقال، يروي لنا مصطفى مرتضى، طبيب التخدير واختصاصي العناية المركزة في أحد مستشفيات يوركشاير بالمملكة المتحدة، تفاصيل الوضع الجديد الذي أصبح معتادًا للأطباء وطواقم التمريض حول العالم.
استضافت مجلة «نيتشر ميدل إيست»Nature Middle East ، الفرع الإقليمي لدورية Nature، مرتضى في ندوة إلكترونية ليروي تجربته في مكافحة ذلك المرض الذي أودى بحياة أكثر من 170 ألف شخص حول العالم، وأصاب أكثر من 2.5 مليون إنسان، من بينهم ما يزيد على 10 آلاف شخص في المملكة العربية السعودية.
وعن تجربته، قال مرتضى، الذي يتمتع بخبرة مهنية قوامها 17 عامًا في المجال: "اعتدت أن أنسى مشكلات العمل متى انتهى دوامي، فلم أكن أحمل معي أبدًا هموم الوظيفة إلى المنزل. لكن هذا الوضع تغيَّر الآن؛ فللمرة الأولى في حياتي المهنية أصبح عملي يُؤثر في بيتي وعائلتي وحياتي بأكملها".
التحلِّي بالهدوء والمضي قدمًا
جميع أسِرّة المستشفى الذي يعمل به مرتضى يشغلها الآن مصابون بـ«كوفيد-19»، كما هو الحال في كثير من وحدات العناية المركزة حول العالم.
وفي وحدات العناية المركزة، يكون المرضى المحتجزون في حالة حرجة دائمًا. وهذا واقع معتاد لطواقم العناية المركزة، لكن الأعداد غير المسبوقة لهذه الحالات الحرجة مثيرة للفزع. يقول مرتضى واصفًا الوضع: "وكأننا في حالة حرب؛ إنه لعبء ثقيل على أي شخص أن يرى هذه الأعداد الضخمة من المرضى المحتجزين في الوقت ذاته وبالتشخيص ذاته وبمعدلات وفاة عالية. نحن مدرَّبون على الفصل بين العمل والانفعالات الشخصية للتعامل مع الحالات الحرجة، لكننا نجد صعوبة بالغة في الالتزام بذلك في ظل مثل هذه المعدلات المرتفعة للغاية من الوفيات". ولدى مرتضى وأقرانه حول العالم أساليب مختلفة للتأقلم مع هذه الظروف، بَيْد أن محاسبة أنفسهم لتقييم ما إن كانوا قد بذلوا كل ما بوسعهم لإنقاذ المريض، تظل موضع تحدٍ آخر.
في إنجلترا على سبيل المثال، يحتاج 5% من الحالات المصابة بـ«كوفيد-19» إلى رعاية وحدات العناية المركزة. وقد تُوفي 79 مريضًا من أصل 165 مصابًا بالمرض استقبلتهم وحدات العناية المركزة في إنجلترا وويلز وأيرلندا الشمالية على مدار شهري فبراير ومارس، وفقًا للبيانات الصادرة عن المركز الوطني للبحوث والتدقيق في العناية المركزة في يوم الثامن والعشرين من مارس.
وبالإضافة إلى شعور مرتضى بالمسؤولية إزاء الحالات التي يتولَّى علاجها، يوضِّح أن اختصاصيي الرعاية الصحية يشعرون بالخوف على حياتهم وسلامة عائلاتهم، في ضوء معدلات العدوى والوفاة المثيرة للقلق التي يسببها «كوفيد-19». ففي حين تبلغ نسبة الوفيات جرَّاء فيروس مثل «ميرس-كوف»، المُسبِّب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، 34%، منذ اكتشافه في عام 2012، فإنه لم يُصب إلا 2500 شخص حول العالم، بناءً على إحصائيات منظمة الصحة العالمية. أما فيروس «سارس-كوف-2» المُسبب لـ«كوفيد-19»، فتنجم عنه نسبة وفيات أقل، بلغت 3.4% بحسب التقديرات الأولى للمنظمة. ثم وصلت هذه النسبة إلى 6.5% عند حسابها على أساس النسبة بين الوفيات والحالات المؤكدة. لكن على العكس من فيروس «ميرس-كوف»، أصاب فيروس «سارس-كوف-2» بالفعل 2.2 مليون شخص حول العالم في مدة لا تتجاوز أربعة أشهر. وقد أفادت منظمة الصحة العالمية أن مريض «كوفيد-19» يمكن أن ينقل العدوى لعدد من الأشخاص يتراوح بين اثنين و2.5 شخص، في حين قدرت في الوقت نفسه تقارير واردة من مركز مكافحة الأمراض معدل انتقال العدوى خلال الأيام الأولى لتفشي المرض في مدينة ووهان بما يزيد على خمسة أشخاص. في المقابل، يمكن لمريض الإنفلونزا أن ينقل مرضه إلى 1.3 شخص فقط.
وارتفاع معدلات العدوى والوفيات الناتجة عنها، يدل على حاجة الطواقم الطبية إلى ارتداء بزَّات واقية تغطي العينين والأنف والفم بالكامل. فكمامات الجراحة المعتادة لا تُوفر الحماية اللازمة للطواقم الطبية التي تتعامل مع مرضى «كوفيد-19».
وقد اضطرّت بعض المستشفيات، بما فيها المستشفى الذي يعمل به مرتضى، إلى مضاعفة عدد أطباء العناية المركزة ثلاثة أضعاف للتعامل مع حجم الحالات التي يستقبلها، ولأن الطبيب الواحد لا يمكن أن يبقى داخل البزّة الواقية لأكثر من تسعين دقيقة في المرة الواحدة. وتتسم البزات الواقية بالتصاقها الشديد بالجسم مما قد يسبب بثورًا، كما يصعب على مرتديها التواصل مع الآخرين، وهو ما يدفع العاملين بوحدات العناية المركزة إلى الاعتماد في كثير من الأحيان على الكتابة للتواصل فيما بينهم داخل هذه الوحدات.
ويستطرد مرتضى قائلًا عن ذلك: "تمنعنا ]هذه الإجراءات الوقائية[ من التعامل مع المرضى بالسرعة المعتادة. كما أننا لم نعد قادرين على الاعتناء بالحالات الحرجة فور وصولها إلى غرفة الطوارئ كما اعتدنا من قبل". ويتعين على فريق الاستجابة الأولية الآن ارتداء البزة الواقية الملائمة قبل الشروع في تقديم الرعاية لأي حالة يُشتبه في إصابتها بـ«كوفيد-19». وفي هذا الصدد، يؤكد مرتضى أنه لا يكفي اتخاذ هذه الاحتياطات حيال الحالات المؤكدة فقط، فبحلول الوقت الذي تتأكد فيه الحالات، ستكون العدوى قد انتقلت بالفعل إلى أحد الأطباء أو الممرضين. وأورد مرتضى مثالًا بأن أحد المرضى الذين كان يعالجهم جاءت نتيجة اختبار التحقق من إصابته بمرض «كوفيد-19» سلبية ثلاث مرات، قبل أن تتحول في المرة الرابعة إلى إيجابية.
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها اثنان من زملاء مرتضى والتزامهما الصارم ببروتوكولات المستشفى، أصيب كلاهما بالفيروس. وقد علَّق مرتضى على ذلك قائلًا: "ثمة أبعاد كثيرة جدًا لهذا الفيروس لا نزال عاجزين عن فهمها فهمًا تامًا".
ويوجه مرتضى رسالة مهمة إلى أقرانه العاملين في القطاع الصحي مفادها ألا يتخلوا أبدًا عن سلامتهم الشخصية، حتى إن تعارض ذلك مع غريزتهم وتدريبهم كطاقم استجابة لحالات الطوارئ، اعتاد الإسراع بالتعامل مع الحالات الواردة. ويختتم مرتضى حديثه ناصحًا: "لا وجود لمفهوم الطوارئ عند التعامل مع هذه الحالات، لذا فلا تتهاونوا بشأن صحتكم الشخصية ظنًا أن هذا قد يُنقذ مريضًا. اتخاذ الإجراءات اللازمة وارتداء بزّاتكم الواقية قبل التعامل مع حالات يحتمل أن تكون مصابة بـ«كوفيد-19» أهم بكثير لكم، ولأجل المرضى الآخرين الواجب عليكم رعايتهم".
References
- | article