الحد من الوفيات الناجمة عن متلازمة الشرق الأوسط التنفسية «ميرس»

فريق من الأطباء السريريين يختبرون نظامًا علاجيًا مُركَّبًا من عدة عقاقير نجح في تقليل عدد الوفيات الناجمة عن متلازمة الشرق الأوسط التنفسية «ميرس» MERS بمقدار الثلث.

قراءة

Science Photo Library / Alamy Stock Photo

كشف فريق من الباحثين في المجموعة السعودية لتجارب العناية الحرجة (SCCTG) أن نظامًا علاجيًا مكونًا من أكثر من عقار، نجح في تقليص الوفيات بمقدار الثلث لدى مجموعة من المرضى المحتجزين في المستشفيات، إثر إصابتهم بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية «ميرس» MERS.

تُعد متلازمة الشرق الأوسط التنفسية «ميرس» -التي يسببها فيروس «ميرس-كوف» - مرضًا قاتلًا في أكثر من ثُلث حالات الإصابة1، إذ بلغ عدد الإصابات به 2519 حالة مؤكدة، وعدد الوفيات 866 حالة وفاة، حتى شهر يناير عام  2020 (المرجع رقم 2). تظهر أعراض المرض -الذي يقال إنه انتقل من الإبل العربية إلى البشر لأول مرة عام 2012 – عادة في صورة أعراض تنفسية حادة، من بينها الحمى، والسعال، وضيق التنفس3.

وكما هي الحال في مرض «كوفيد-19»، فإن المشكلات الصحية الموجودة مسبقًا تعرِّض المرضى للمرض الشديد، بينما لا يعاني بعضهم إلا من أعراض خفيفة، أو لا تظهر عليهم أعراض مطلقًا. ورغم أن حالات الإصابة بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية بين البشر آخذة في التناقص، فإن الفيروس المسبب لها لا يزال منتشرًا على نطاق واسع بين الإبل، مما يُشكِّل خطرًا شديدًا محتملاً. يقول ياسين عرابي، رئيس قسم العناية المركزة بمدينة الملك عبد العزيز الطبية، والأستاذ في كلية الطب بجامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية، والذي كان الباحث الرئيسي في الدراسة الجديدة: "في الوقت الحاليّ، لا ينتقل «ميرس» بسهولة بين البشر، على عكس «كوفيد-19»". ويضيف عرابي: "لكن يظل القلق دائمًا من احتمال حدوث طفرة تجعل الفيروس أكثر قدرة على الانتقال".

تجربة جديدة على مرض عنيد

أدرج الفريق 95 مريضًا من تسع مؤسسات طبية بالمملكة العربية السعودية في تجربة سريرية على متلازمة «ميرس». تلقى 43 مريضًا من الدراسة الأترابية علاجًا تجريبيًا مدته أربعة عشر يومًا يتكون من الإنترفيرون بيتا-1ب وعقار لوبينافير-ريتونافير، بينما تلقت المجموعة الأخرى من المرضى، والتي ضمت 52 مريضًا، علاجًا وهميًا. وجد الفريق أن الوفيات بعد انقضاء 90 يومًا بلغت 44% في المجموعة التي تلقت العلاج الوهمي، بينما كانت نسبة الوفيات بين الذين تلقوا العلاج التجريبي 28% فقط، ما يمثل انخفاضًا كبيرًا في الوفيات بالنسبة إلى مرض لا علاج له حتى الآن.

وجد الفريق أن تحقيق الفائدة السريرية المرجوة من هذا النظام العلاجي يتطلب أن يبدأ المرضى الخضوع له في غضون سبعة أيام من بدء ظهور الأعراض. يقول عرابي: "العلاج المبكر يُحدث فارقًا كبيرًا، وأعتقد أن التبكير في التشخيص والعلاج ربما يساعد على تقليل الوفيات بنسب أكبر ". وقد جرى اختيار العقاقير التي استُخدمت في التجربة بناءً على فاعليتها في دراسات قبل سريرية، إذ أوضحت هذه الدراسات أن عقار لوبينافير منع تناسخ كل من «ميرس-كوف» و«سارس-كوف» (الفيروس المسبب لوباء «سارس») في التجارب المختبرية، كما كان قد تبين من قبل أن الجمع بين لوبينافير-ريتونافير وإنترفيرون بيتا-1ب قد حسَّن الحالة الصحية لقردة المرموسيت المصابة. وباستخدام علاج مكوّن من دواءين، يتألف أحدهما من عقاري (لوبينافير-ريتونافير)، تمكَّن الفريق من استهداف «ميرس-كوف» على مستويات مختلفة، محققًا تأثيرات مُعدّلة للجهاز المناعي ومضادة للفيروسات.

كان أحد التحديات التي واجهت إجراء التجربة، أن متلازمة «ميرس» ناتجة عن فيروس غير شائع، تظهر الإصابة به على نحو عرضي. يقول عرابي، مشيرًا إلى الوقت الذي استغرقه العثور على عدد من الحالات يكون مفيدًا في الدراسة: "لقد بدأنا بإدراج المرضى ل في التجربة في عام 2016، و آخر مريض قد أُدرج إلى المجموعة  في أوائل عام 2020". ورغم أن التجارب المنضبطة المعشاة عادة ما تكون معتمدة على دراسات استطلاعية، فقد أدرك عرابي وفريقه أن انخفاض معدل الإصابات الجديدة يعني أنهم قد يحتاجون إلى تصميم دراسة تكيفية تتضمن مراحل متعددة مع إجراء تقييمات مرحلية لتوجيه التجربة نحو نتائج مُتحقق من صحتها بحثيًا. ولضمان فاعلية هذا التصميم، أطال الفريق فترة متابعة المرضى لتصل إلى تسعين يومًا. وقد تبين أن الفَرق في معدلات النجاة بين المجموعتين "أخذ في الاتساع بشكل ملحوظ بعد اليوم الثامن والعشرين".

التركيز على أبحاث العناية المركزة

تمثل المجموعة السعودية لتجارب العناية الحرجة جهدًا منسقًا من جانب الأوساط الطبية الأكاديمية في المملكة العربية السعودية، يهدف إلى تعزيز رصيد المملكة من التجارب السريرية وتحسين خبرتها في طب العناية المركزة. ويُعد الباحثون في مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية («كيمارك») جزءًا من هذه المجموعة ، والتي تضم أيضًا مركز القيادة الوطني للتجارب السريرية بالمملكة العربية السعودية. تمارس المجموعة السعودية لتجارب العناية الحرجة نشاطها منذ عدة سنوات، وقد نشرت عدة أبحاث في دوريات علمية عالية التأثير، شملت سلسلة من المنشورات بخصوص علاجات «ميرس». ويعلِّق عرابي على ذلك: "عندما ظهر مرض «كوفيد»، اتضحت أهمية كل هذه الأسئلة التي كانت المجموعة تطرحها. فقد راح الجميع يطرحون الأسئلة ذاتها". 

ورغم الرعب الذي يسببه «ميرس»، فقد هيَّأ المجتمع السعودي لمواجهة الهجمة الضارية لمرض «كوفيد-19». يقول عرابي: "ساعد التعرّض لمتلازمة «ميرس» على مدار الأعوام العديدة الماضية كثيراً على تكوين معرفة مسبقة، ورسَّخ في ثقافتنا الوعي بشأن خطر العدوى الفيروسية. لذا، عندما ظهر «كوفيد-19»، كان الناس يعرفون ماهية الأخطار وأهمية اتخاذ الاحتياطات الواجبة". وربما كان الأمر الأكثر أهمية أن نظام الرعاية الصحية السعودي قد تأهَّب للاستجابة، إذ كان قد جهَّز بالفعل خططًا للتعامل مع الجوائح وحالات انتشار العدوى الفيروسية.

وتمامًا مثلما هيَّأت الحرب ضد «ميرس» المجتمعَ للحرب ضد «كوفيد»، فربما تقدم الجائحة الحالية بدورها فرصة لامتلاك رؤى متعمقة، يمكن أن تساعد الباحثين على مكافحة «ميرس». ورغم أن عرابي يعتقد أن بعض علاجات «كوفيد» قد تستحق الاختبار كعلاجات محتملة لـ«ميرس»، فإنه وغيره من الباحثين المعنيين بـ«ميرس» سيكون عليهم أن يتعاملوا مع صعوبة تقييم العلاجات المحتملة العديدة في ظل قلة أعداد المرضى. 

حتى في ظل العلاج التجريبي، ظلَّت الوفيات الناجمة عن «ميرس» في التجربة عند نسبة 28%. ويُعد ذلك انخفاضًا كبيرًا مقارنة مع المعدل العام المُسجَّل للوفيات جرَّاء هذا المرض، والذي يبلغ 35%، لكنه يبرز في الوقت ذاته الحاجة إلى مزيد من الأبحاث لتخفيض معدل الوفيات بشكل أكبر.

تنظر المجموعة السعودية لتجارب العناية الحرجة SCCTG حاليًا في التساؤلات التي أثارتها جائحة «كوفيد-19»، ولديها تجربتان سريريتان جاريتان. تبحث إحداهما فيما إذا كانت وضعية الرقود بالنسبة إلى المرضى الواعين تساعد على إمدادهم بالأكسجين ومن ثمَّ تحسين نتائجهم السريرية، مثلما تبينَ في حالات المرضى المعتمدين على أجهزة التنفس الصناعي، بينما تبحث التجربة الأخرى فوائد استخدام خوذة التنفس غير الغازية في حالات «كوفيد-19». كذلك يشارك عرابي والمجموعة ذاتها في تجربة «ريماب-كاب» REMAP-CAP الدولية، والتي صُمِّمت بهدف تقييم عدد من الخيارات العلاجية لـ «كوفيد-19» بكفاءة وعلى نحو متزامن. 

References

  1.  Arabi, Y. M., et al. Interferon Beta-1b and Lopinavir–Ritonavir for Middle East Respiratory Syndrome. The New England Journal of Medicine 383, 1645-1656 (2020).  | article

أقرأ أيضا

مكافحةُ الجائحة على جميع الجبهات

يقول نايف الحربي -أحد كبار علماء الفيروسات بالمملكة العربية السعودية- إن مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية (كيمارك) يقف في طليعة مكافحة المملكة لمرض «كوفيد-19» عن طريق الإسراع من وتيرة أبحاث فيروس كورونا.

الاستفادة من الخبرات السابقة: استجابة المملكة العربية السعودية لجائحة «كوفيد-19»

المعرفة المُكتَسبة من تفشّي وباء فيروس كورونا المُسبّب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية MERS-CoV في المملكة العربية السعودية، تضع البلاد على الأُهبة للاستجابة بقوة وسرعة لجائحة «كوفيد-19».

وليفة علاجية تزيد معدلات النجاة من سرطان الكُلَى

تُظهر تجربة سريرية عالمية من المرحلة الثالثة فاعلية توليفة علاجية جديدة للمراحل المتقدمة من سرطان الكُلَى.