شراكات ذكية

بينما ترنو مبادراتٌ عديدةٌ في المملكة للضخامة والتوسع، تركز مدينةٌ جديدةٌ للتكنولوجيا الحيوية في الرياض طاقتَها في حدود أضيق، أملا في أثر أعمق.

قراءة

N/A

ما القاسم المشترك بين مريض سرطان في قرية الحفاير بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، وباحث خلايا جذعية في كلية الطب بجامعة هارفارد على الساحل الشرقي للولايات المتحدة؟

ربما يعكف الأخير على دراسة بيانات من الأول، وكلٌّ منهما - ولا يعرف أحدُهما الآخر- يقدم مساعدة خفية للآخر عبر وصلة في الرياض. ففي الرياض ارتفعت مدينة جديدة للتكنولوجيا الحيوية في العاصمة لتقوية الصلات بين بحوث الطب الحيوي في المملكة والفرص التجارية.

يقول عبد العالي الحوضي –رئيس قسم التخطيط الاستراتيجي وتطوير الأعمال  في مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية-: «لدينا بنية تحتية ضخمة لبحوث الطب الحيوي، قامت على فيض من الاستثمارات. العنصر الوحيد الذي كان ينقصنا كان تحويل نتائج البحوث إلى وسائل تشخيص ومعالجة على المستوى التجاري». ومن خلال تأسيس مدينة التكنولوجيا الحيوية، يتطلع المركز إلى ردم تلك الفجوة.

تنضوي جهود المركز ضمن توجه أوسع، في أنحاء المملكة والمنطقة، لتسخير إمكانات البحث العلمي في مناحٍ تطبيقية وتجارية. فخلال العقد الماضي ظهر في برهة قصيرة ما يربو على ثلاثين مدينة موجة للأبعاد التطبيقية للعلوم، من جدة والدوحة إلى مسقط والدار البيضاء، وفقاً لإحصاء من وكالة تابعة للأمم المتحدة.

ترسم مدينة التكنولوجيا الحيوية الجديدة في الرياض مسارها الخاص، من خلال تَوفرها على نتائج البحوث وبيانات المرضى من كل أنحاء المملكة. وتهدف إلى حصر أعمالها ضمن نطاق ضيق، وذلك بتركيز اهتماماتها على حفنةٍ مُسمّاة من الأمراض، والانخراط في شراكات مستدامة ذات فوائد متبادلة، والاستفادة من بيانات المرضى المتوفرة لها دون غيرها ضمن المنظومة العلاجية والبحثية -المتمثلة في المستشفيات والعيادات والكليات- التي ينتمي إليها مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية.

 عدد قليل من الأمراض الواسعة الانتشار

 ليس نادرا أن تسعى مدن أو واحات التكنولوجيا – والمقصود تلك الموجهة للأبعاد التطبيقية والتجارية للأبحاث – أن توزع طاقتها ومواردها المحدودة في اتجاهات شتى. وهذا انعكاس للطموحات التي غالبا ما ترتبط بتلك المشروعات. ولكن توسع الطموحات قد يؤدي إلى تقليص الموارد المخصصة لأي من تلك الأهداف المرجوة. لتحاشي ذلك، وضع المسؤولون في مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية رؤية تنطوي على أن «التركيز على القليل يعني الكثير»، عندما يتعلق الأمر بالأمراض التي ستحظى بمعظم الاهتمام من الطاقة والموارد.

لذا سينصب تركيز المدينة على بضعة أمراض فقط من كلٍّ من المشكلات الصحية الخمس المحلية الأكثر انتشارًا: السرطان، وداء السكري، والأمراض المُعْدية، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والأمراض العصبية. ففي فئة السرطان مثلًا، سيتركز الاهتمام فقط على سرطانات الدم، وسرطان الغدد الليمفاوية، والقولون والمستقيم، وسرطان الثدي. وثمة عاملان لاختيار الأمراض التي تحظى بالاهتمام: معدل الإصابة في المملكة، وحجم الخبرات البحثية المتوفرة لدى مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية ولدى شبكة شركائه والهيئات المرتبطة به.

«لا نستطيع تقديم أكثر من ذلك»، كما يقول الحوضي، الذي شغل عدة مناصب، من بينها رئيس المجلس الدولي للطب الحيوي والتكنولوجيا الحيوية بالولايات المتحدة، والمدير التنفيذي لمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي.

 البناء على نقاط القوة

يمثل مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية، الذي تأسس في عام 2006، جزءًا من منظومة أكبر للبحوث الطبية والرعاية الصحية، وهي مدينة الملك عبد العزيز الطبية في الرياض، ولها فرعان: في الأحساء، المنطقة الشرقية للمملكة، وفي جدة غربيها. يقوم كلٌّ من الفروع الثلاثة بمهمات ثلاث: الرعاية الطبية من خلال المستشفيات، والتعليم من خلال الكليات الطبية، وإجراء بحوث الطب الحيوي في مرافق المركز في كل فرع. ويختلف عدد المستشفيات أو الكليات من فرع لآخر، مع كون فرع الرياض الأكبر. وقد تأسست منظومة المدينة الطبية ويديرها قسم الشؤون الصحية في وزارة الحرس الوطني.

ومن خلال هذه المنظومة، يستطيع المركز والمدينة، الوصول إلى بئر متجدد من بيانات المرضى على مستوى المملكة. وسيساعد ذلك على المراقبة الدورية لتفشي الأمراض التي تهتم بها المدينة وبحث طبيعتها. 

مثل هذه الثروة من بيانات المرضى تجعل المدينة الجديدة أكثر جاذبية من قريناتها في المنطقة للشركاء من الأكاديميين وشركات صناعة الأدوية، وفق الحوضي.

وستسهِّل بيانات المرضى المستفيضة الممتدة، والمرافق والخبرات المشجِّعة للبحث، إقامة الشراكات ذات الفائدة المتبادلة أيضًا. فالمركز سيكون حليفًا طبيعيًّا لشركة أدوية أو لباحث أكاديمي ذي اهتمام بنوع معين من داء السكري أو مرض السرطان في المملكة العربية السعودية أو الخليج.

وبالنسبة للمدينة، التي تنطلق انشطتها في الخريف القادم، ستؤدي الشراكات من هذا النوع لجلب باحثين مهرة من هيئات علمية مرموقة لتطوير منتجات وخبرات تخص القضايا الصحية المحلية والإقليمية.

يقول الحوضي إن هذا النمط من الشراكة أكثر استدامة، ففيه يلتقي الشركاء على أساس الاهتمامات والمصالح المشتركة؛ إذ يُسهم كلٌّ منهم بشيء فريد.

ويعكف المركز على إتمام اتفاقيات شراكة مع كلية هارفارد الطبية ومعهد هارفارد للخلايا الجذعية في الولايات المتحدة، ومع جامعة أوكسفورد في المملكة المتحدة.

وثمة نقاشات جارية أيضًا مع شركة تكنولوجيا حيوية مهتمة بفيروس مرض متلازمة الشرق الأوسط التنفسية والمعروف اختصاراً باسم ميرس (MERS-CoV)، والذي ظهر للمرة الأولى في المملكة العربية السعودية في عام 2012 وأدى إلى عدد كبير من الوفيات.

وفي توجهها وكل ما تسعى إليه، ثمة روح جديدة تتخلل المدينة الجديدة، ليس فحسب من حيث بث حياة جديدة في «التطوير» باعتباره جزءاً من «الأبحاث والتطوير»، ولكن أيضا من حيث تحويل تحديات المملكة الصحية إلى فرص. ومن وجهة النظر هذه، تُعَد كل مسألة طبية مستعصية مناسَبة لتكثيف التعاون وتقويته مع أفضل العقول داخل المملكة وخارجها، وهو ما يعود بالفائدة على المملكة ويُعزِّز مكانتها بوصفها جزءًا من منظومة العلوم والبحث المتجاوزة للحدود.

«إن العلوم بطبيعتها لا تعرف حدوداً»، كما يقول الحوضي. «وكلما زاد انفتاحنا على العلوم، كنا مجتمعاً أفضل، وأصبحت نواتج العلم أفضل». وهذا شعور ربما  يتفق فيه الغريبان من الحفاير وهارفارد.

References

 

أقرأ أيضا

دراسة العلاقة بين «كوفيد-19» والتغيرات الجينية

مبادرة تعاون دولي بين البنوك الحيوية تتحدَّى نتائج سابقة  حول عوامل جينية مُحتملة  تقفوراء الإصابة الشديدة بـ«كوفيد-19».

 تطعيم الكبار ضد الأمراض البكتيرية

على الرغم من أن برامج تطعيم الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خفضت بدرجة كبيرة من انتشار الأمراض التي يمكن الوقاية منها، فإن برامج تطعيم الكبار لا تزال متعثرة.

الجائحة تنال من كافة الأعمار

 أبحاثٌ أُجريت مؤخرًا تُوضِّح تأثير الجائحة العالمية في الأُسَر التي يعاني بعض أفرادها من اضطراب ما بعد الصدمة والتوحد.