الجائحة تنال من كافة الأعمار

 أبحاثٌ أُجريت مؤخرًا تُوضِّح تأثير الجائحة العالمية في الأُسَر التي يعاني بعض أفرادها من اضطراب ما بعد الصدمة والتوحد.

قراءة

كشف الباحثون المهتمون بدراسة التفاعل بين مرض «كوفيد-19» والمشكلات النفسية الشديدة التي يعاني منها الأطفال عديداً من الصعوبات التي يواجهها الأطفال المتضررون وأسرهم.Justin Paget، Getty Images

من المعلوم أن الآثار الجسدية الناجمة عن مرض «كوفيد-19» عادةً ما تكون أشدّ ضررًا لدى كبار السن، غير أن الأبحاث الحديثة بدأت تُزودنا بأدلةٍ تكشف لنا حجم المعاناة النفسية التي تُسبِّبها هذه الأزمة المتواصلة للأطفال والمراهقين، إذ  شف الباحثون المهتمون بدراسة التفاعل بين مرض «كوفيد-19» والمشكلات النفسية الشديدة التي يعاني منها الأطفال   عديداً من الصعوبات التي يواجهها الأطفال المتضررون وأُسرهم.

أظهرت دراسةٌ نُشِرَت في دورية «بلوس وان» PLOS ONE أن مرض «كوفيد-19» يمكن أن يَخلق "مشكلات نفسية عنيفة.. لا سيّما لدى الفئات الأكثر عُرضة للخطر".[i] وقبل هذه الدراسة، لم يكن ثمة أبحاثٌ في مجال دراسة الآثار النفسية للجائحة على الأطفال السعوديين. تواصَلَ فريقٌ بحثي يترأّسه الدكتور مصطفى حجازي، من جامعة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية ومستشفى الأطفال التابع لجامعة المنصورة في مصر، مع عينةٍ عشوائية من العائلات السعودية وغير السعودية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، في الفترة ما بين شهري مارس ويونيو 2020 لإجراء مسحٍ مُصمّم خصيصًا للتعرُّف على أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) المرتبطة بجائحة «كوفيد-19». وبالنسبة لأداة المسح التي استخدمها الفريق، فقد كانت في الأساس من ابتكار جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس. ويمكن للمراهقين الأكبر سنًا أن يجيبوا عن أسئلة المسح بأنفسهم، بينما يتولَّى أولياءُ الأمور مساعدة الأطفال الأصغر سنًا في التعامل مع الأسئلة.

أجاب عن المسح 537 مراهقًا وطفلًا في المُجمَل، وأظهرت النتائج أن 71.5% منهم لديهم بعض أعراض اضطراب ما بعد الصدمة على الأقل، بينما بلغت نسبة الفئة الأكثر عُرضة لخطر الإصابة المحتملة باضطراب ما بعد الصدمة 13%. وقد تبيَّن أنه لا يوجد أي تأثير لعوامل مثل السن، و الجنس ، والأداء الدراسي، في احتمالات إصابة الأطفال بأعراض اضطراب ما بعد الصدمة المرتبط بجائحة «كوفيد-19». وقد أشار الباحثون إلى أن أحد الاختبارات كَشَف وجود ارتباطٍ بين ظهور أعراض اضطراب ما بعد الصدمة لدى الأطفال ووجود أحد أقاربهميعمل على مقربة من أماكن انتشار فيروس «سارس-كوف-2» SARS-CoV-2، غير أن هذا الارتباط لم يُرصَد في اختبارٍ آخر كان الهدف منه تقييم متغيراتٍ عدّة. وقد لُوحظ أن أطفال المواطنين السعوديين كانوا أقل عُرضة بكثيرٍ للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، مقارنةً بأطفال المغتربين المقيمين في المملكة.

وذكر الباحثون أن الدراسات التي تُجرَى على حالاتٍ مصابة باضطراب ما بعد الصدمة جرَّاء الإصابة بالعدوى عادةً ما ينصبُّ تركيزُها على تجارب الأطباء السريريين ، في حين لم يُعنَ كثيرٌ منها بعمل دراسات  على الأطفال. غير أن "الأطفال/المراهقين الذين يمرون بمراحل نموٍ مهمة، يكونون أكثر عُرضةً للإصابة باضطراباتٍ نفسية، نظرًا إلى عدم اكتمال نضج قدراتهم الإدراكية وقدراتهم التكيفية". وتُشير البيانات إلى احتمال انتشار اضطراب ما بعد الصدمة بين صغار السن في المملكة، ولذا يرى الباحثون أنه من الأهمية بمكانٍ "عدم تجاهل" العلاقة بين إصابة الأطفال باضطراب ما بعد الصدمة ومرض «كوفيد-19».

وتدفع هذه النتائج المنظمات الحكومية وقطاع الرعاية الصحية إلى التعرُّف إلى مدى انتشار اضطراب ما بعد الصدمة بين الأطفال والمراهقين، ومن ثمَّ توفير سبل الوقاية منه والتخفيف من حدته.

من جهةٍ أخرى، أجرى يوسف الذيابي، من جامعة الملك عبد العزيز، دراسةً بمفرده للكشف عن تأثير الجائحة في الأسر المُعرضة للخطر، وبصفة خاصة، تأثير «كوفيد-19» في  أهالي الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد (ASD).[ii] فعادةً ما يعاني الأطفال المصابون باضطراب طيف التوحد من مشكلاتٍ سلوكية وصعوبات في التواصل يمكن أن تؤدِّي إلى إصابة الأهالي بالاكتئاب والقلق. ومن المعروف أن مرض «كوفيد-19» أجبر عديدًا من البلدان -ومن بينها المملكة العربية السعودية- على التحوُّل إلى الدراسة عبر شبكة الإنترنت، ولذا يمكن لاضطراب النظام الروتيني الذي يتبعه الأطفال المصابون باضطراب طيف التوحد أن يؤدي إلى تفاقم مشكلاتهم السلوكية. وإذا أضفنا ذلك إلى الضغوط المباشرة التي يعاني منها الأهالي جرَّاء الجائحة، مثل مشكلات العمل، فسوف ندرك أن مرض «كوفيد-19» لديه قدرةٌ كبيرة على مفاقمة معاناة أهالي الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد.

ولتحرّي هذا الأمر، أُجري مسحٌ على شبكة الإنترنت على 211 من آباء الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد في المملكة العربية السعودية وأمهاتهم، بغرض التعرُّف إلى آرائهم بخصوص أدوارهم، بوصفهم آباءً وأمهات، ومشاعر القلق التي تنتابهم، وصحتهم النفسية، ورؤيتهم لما يحتاجون إليه من رعايةٍ نفسية. وقد كشفت نتائج ملموسة أن مستوى القلق لدى الأهالي في خضم الجائحة كان أسوأ بكثيرٍ منه قبل بدايتها. ويشير الذيابي إلى أن ذلك قد يكون ناجمًا عن الأعباء المصاحبة لتربية أطفال مصابين باضطراب طيف التوحد، في ظل انحسار الخدمات الأساسية، والخدمات التعليمية، والدعم المهني.

كذلك أوضحت الدراسة أن أهالي الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد وجدوا بعض السلوى في التشاور مع المدرسين، وأفراد العائلة، والمعالجين النفسيين في أثناء الجائحة، للحفاظ على صحتهم النفسية. وعلى وجه التحديد، أظهرت البيانات أن الأمهات الشابات تأثَّرن سلباً بشدة بآثار «كوفيد-19». وعندما سُئِل الأهالي عن أكثر أنواع الدعم التي يحتاجون إليها، تصدَّر الدعمُ النفسي والمالي قائمة أنواع الدعم المطلوبة. كما طالبوا أيضًا بتوفير التدريب عن بُعد، وإتاحة الإرشاد النفسي وتقديم المشورة عبر شبكة الإنترنت، بشأن كيفية التعامل مع المشكلات السلوكية لدى أطفالهم.

ثمة أنشطةٌ يمكن أن يلجأ إليها الأهالي للتعامل مع أطفالهم المصابين باضطراب طيف التوحد بمزيدٍ من الفاعلية، إلا أن دراسة الذيابي جاءت لتكشف أهمية توفير سُبُل الدعم للأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد وأهاليهم، لا سيّما في ظل أزمةٍ يخوض غمارها العالم.

تُشير البيانات المتراكمة إلى أن التعافي من جائحة «كوفيد-19» يتطلب نهجًا متكاملًا، إلى جانب تقديم دعمٍ استباقي يمكن إيصاله إلى  الأسر المُتضررة.

References

  1.  |Sayed, M. H., Hegazi, M. A., El-Baz, M. S., Alahmadi, T. S., Zubairi, N. A. et al. COVID-19 related posttraumatic stress disorder in children and adolescents in Saudi Arabia. PLOS ONE16, e0255440 (2021).article
  2.  |Althiabi, Y. Attitude, anxiety and perceived mental health care needs among parents of children with Autism Spectrum Disorder (ASD) in Saudi Arabia during COVID-19 pandemic. Research in Developmental Disabilities111, 103873 (2021). article

أقرأ أيضا

التبعات النفسية لمرض "كوفيد-19"

جعلتنا جائحة "كوفيد-19" نُقدِّر أهمية الصحة النفسية في الآونة الأخيرة. والآن، توفِّر لنا أبحاثٌ من مختلف أنحاء العالم رؤى ثاقبة بخصوص الأضرار النفسية المترتبة على الجائحة.

 تطعيم الكبار ضد الأمراض البكتيرية

على الرغم من أن برامج تطعيم الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خفضت بدرجة كبيرة من انتشار الأمراض التي يمكن الوقاية منها، فإن برامج تطعيم الكبار لا تزال متعثرة.

دراسة العلاقة بين «كوفيد-19» والتغيرات الجينية

مبادرة تعاون دولي بين البنوك الحيوية تتحدَّى نتائج سابقة  حول عوامل جينية مُحتملة  تقفوراء الإصابة الشديدة بـ«كوفيد-19».