باحثون يستهدفون أزمة داء السكري في السعودية

>الفهم الأفضل للأسباب الجذرية للمرض في المملكة قد يسفر عن استراتيجيات علاجية جديدة.

N/A

تشير التقديرات إلى أن واحدًا من بين كل أربعة سعوديين يعاني من مرض السكري، لكن هذا المرض لم يكن قَط يثقل كاهل الدولة الخليجية. فقبل تحوُّل البلاد -بدءًا من السبعينيات- من مجتمع بدوي فقير إلى دولة غنية منتجة للنفط، لم يسمع أحد تقريبًا عن مرض السكري. ولكن، طرأت مع الازدهار الاقتصادي تغيُّرات سريعة على نمط الحياة. فمع انخفاض مزاولة السعوديين للرياضة وتناوُلهم المزيد من الأطعمة كثيفة السكر والدهون، تجد المملكة نفسها على شفا أزمة صحية.

"كل هذا حدث بسرعة خاطفة"، كما يقول علي مقداد، مدير قسم مبادرات الشرق الأوسط في معهد القياسات الصحية والتقييم بجامعة واشنطن، سياتل، في الولايات المتحدة الأمريكية. ويضيف: "لكن المشهد ليس قاتمًا كما يبدو".

لا تزال الوقاية، والعلاج، وتغيير نمط الحياة ممكنًا، بيد أن خبراء الصحة في البلاد بحاجة إلى الإلمام بالأبعاد العلمية لأسباب المرض في المملكة وعواقبه.

 العوامل المؤثرة على داء السكري

يشارك الآن علماء من أنحاء المملكة في أبحاث متطورة لبلوغ هذا الهدف فحسب. وفي جدة، على سبيل المثال، يعكف فريق من المجموعة البحثية السعودية لدراسة داء السكري على دراسة منهجية لانتشار أنواع مختلفة من السكري؛ لفهم أفضل للمتغيرات الجينية والديموجرافية والبيئية التي تؤثر على مقاومة الإنسولين، وعوامل الخطر الأخرى المرتبطة بهذا المرض الأيضي.

"يتشكل سكان جدة من أصول عرقية وخلفيات ثقافية مختلطة"، كما توضح العالِمة السعودية سهاد باحجري، والتي تقود المجموعة البحثية. وتستطرد أستاذ الكيمياء الحيوية السريرية بجامعة الملك عبد العزيز: "يتيح لنا هذا استكشاف الفرضيات المختلفة المسببة للمرض". وفي العام الماضي، نشرت سهاد وزملاؤها دراسة تبين أن العمر، ويليه السمنة، كانا أقوى مؤشرين للمصابين بداء السكري أو المعرضين للإصابة به بين سكان جدة. والآن، يتعمق الباحثون في دراسة عوامل نمط الحياة المتنوعة، بما في ذلك عادات النوم.

معرفة تلك العوامل ينبغي أن تساعد موظفي الصحة العامة على صقل رسائلهم التثقيفية. وهذا أمر مهم، خصوصًا بالنسبة للشباب في المملكة العربية السعودية، "ولا يتعلق السؤال المطروح الآن في المملكة باحتمال الإصابة بمرض السكري، ولكن بموعد الإصابة به"، وفق رأي فيليب فروجيل، اختصاصي علم الوراثة في جامعة إمبريال كوليدج بلندن- المملكة المتحدة، وأيضًا في معهد باستور بفرنسا.

فروجيل، الذي يقدم المشورة لمركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية حول جهوده البحثية المتعلقة بمرض السكري، يرى أن أحد الأسئلة العلمية الرئيسية المطروحة، ولا يزال بلا إجابة، هو لماذا يتم تشخيص السعوديين بالإصابة بمرض السكري عادةً في سن أصغر من الأشخاص في أنحاء أخرى من العالم. يقول فروجيل إن شبه الجزيرة العربية "فيها أناس كثيرون يصابون بمرض السكري في الأربعينيات من العمر، وهو أمر جدّ خطير، لأنه بعد 15 عامًا تصير مخاطر الإصابة بالسكتة الدماغية وأمراض القلب والأوعية الدموية والعمى؛ هائلة. ويمكن أن يكلِّف علاج هذه الحالات أموالًا طائلة". وعلى سبيل المقارنة، غالبًا ما يموت كبار السن المصابون بمرض السكري بأسباب أخرى.

 إدارة المضاعفات

تشير دراسة نشرتها المجموعة البحثية السعودية لدراسة داء السكري في العام الماضي، إلى أن الأنواع الجديدة من الاختبارات التشخيصية قد تساعد في الكشف المبكر عن الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة ببعض مضاعفات المرض المرتبطة بالأوعية الدموية. وفي أثناء ممارسات الطب الروتينية اليوم، يخضع المرضى الذين يعانون من داء السكري لاختباري مستوى الدهون ومستوى السكر في الدم فقط. ومع ذلك، أظهر الفريق السعودي أن قياس بروتين يدل على وجود التهاب، وإنزيم مرتبط بالإجهاد التأكسدي (عدم التوازُن في نظام العوامل المؤكسدة)، من شأنهما المساعدة في درء أمراض القلب.

"نعتقد أن التكلفة الإضافية لقياس هذين المؤشرين الحيويين لها ما يبررها في ضوء الفوائد المتوقعة من تجنُّب مضاعفات الأوعية الدموية المرتبطة بداء السكري، أو على الأقل السيطرة عليها"، وفقًا لأنور برعي، اختصاصي علم الأمراض في مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية، وجامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية في جدة، والمشارك في الدراسة.

إلا أنه في نهاية المطاف، تُعَد السيطرة على مرض السكري مهمةً تتطلب جهدًا شاقًّا وانضباطًا ورغبةً في الشفاء من جانب المرضى، وهو أمر لا يرغب السعوديون في كثير من الأحيان في بذل الجهد من أجله، كما تقول سهاد.

درست سهاد وزملاؤها بالسعودية مؤخرًا آثار العلاج بالإنسولين، وهو عنصر أساسي في علاج السكري بجميع أنحاء العالم. ومع ذلك، وجدت أن الدواء لم يُجدِ نفعًا؛ لأن الناس استخدموا الدواء غالبًا كذريعة للإفراط في تناول الطعام. تقول سهاد: "لقد زاد وزنهم، وزاد الوضع سوءًا". والآن، لتحقيق أقصى استفادة من الأدوية المضادة للسكري التي يبدو أنها تُحدث فارقًا، يخطط الفريق البحثي بالمجموعة البحثية السعودية لدراسة داء السكري للعمل مع شركة في كندا؛ بهدف دراسة فاعلية الدواء في مختلف المجموعات العرقية. وتؤكد سهاد: "إن هذا الأمر في غاية الأهمية لتكييف الإدارة وفقًا لذلك".

من جهة أخرى، بدأ بعض الباحثين في دراسة إمكانية اللجوء إلى العلاجات الخلوية. على سبيل المثال، يدرس رئيس وحدة الخلايا الجذعية والطب التجديدي بمركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية، محمد أبو مرعي مع زملائه، مجموعةً من الخلايا الجذعية المعزولة من أنسجة المشيمة البشرية، والتي لديها قدرة فريدة على قمع الاستجابات المناعية غير المرغوب فيها. يوضح أبو مرعي ذلك قائلًا: "ندرس قدرة هذه الخلايا على إبراء الالتهاب المرتبط بمرض السكري، بهدف محدد هو حماية الخلايا البطانية من المركبات التي تتوسط الإجهاد التأكسدي، الناجمة عن المرض". ويبحث أبو مرعي أيضًا آثار مرض السكري على الخلايا الجذعية الجنينية؛ من أجل فهم أفضل لحقيقة أن الأطفال الذين يولدون لأمهات مريضات بالسكري أكثر عرضةً للإصابة بهذا المرض في فترة لاحقة من حياتهم.

وبينما تستمر هذه المشروعات البحثية، يمكن عمل المزيد لزيادة الوعي بالمشكلة والحاجة إلى المعيشة الصحية. وينطبق هذا المبدأ على العام كله، لكن تصير الحاجة إليه ماسة في شهر رمضان المبارك عندما يختار كثير من مرضى السكري الصيام خلال النهار والأكل بنَهَم في الليل، مما ينجم عنه تقلبات كبيرة في مستويات السكر بالدم يمكنها التسبُّب في أعراض شديدة. يقول برعي: "إن التثقيف المنظم لمرضى السكري هو وسيلة أساسية وآمنة وفعالة في إدارة المرض في أثناء مدة الصيام وبعد الإفطار خلال شهر رمضان".

وأعرب علي القرني -اختصاصي الغدد الصماء بمركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية- عن شعوره بالارتياح إزاء التقدم العلمي المحرَز في مكافحة مرض السكري. وبينما لا يزال هناك الكثير مما ينبغي تعلُّمه، يقول القرني الذي يعمل في مستشفى الملك عبد العزيز بالأحساء: "على علماء المركز اغتنام هذه الفرص؛ لاستكشاف مسارات وآليات مختلفة ربما تؤدي إلى اكتشاف تدخلات وقائية وعلاجية جديدة".

References

أقرأ أيضا

دراسة العلاقة بين «كوفيد-19» والتغيرات الجينية

مبادرة تعاون دولي بين البنوك الحيوية تتحدَّى نتائج سابقة  حول عوامل جينية مُحتملة  تقفوراء الإصابة الشديدة بـ«كوفيد-19».

تطعيم الكبار ضد الأمراض البكتيرية

على الرغم من أن برامج تطعيم الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خفضت بدرجة كبيرة من انتشار الأمراض التي يمكن الوقاية منها، فإن برامج تطعيم الكبار لا تزال متعثرة.

الوضع العام للصحة النفسية في المملكة العربية السعودية

تعزيز الرفاه وتحسينه في أثناء جائحة «كوفيد-19»، مع الحدِّ من الوصم المرتبط بالمرض النفسي.