26 أغسطس 2019
تُعَد التجارب السريرية حجرَ الزاوية في مجال البحث والتطوير الطبي، ومصدرًا لا ينضب للوظائف والإيرادات، وطريقةً لتوفير المزيد من العلاجات المتطورة لمرضى هم في أشد الحاجة إليها. ولكن، على الرغم من عدد سكان المملكة العربية السعودية الذي يقارب 33 مليون نسمة، وتوافر مجموعةً كبيرةً من المراكز البحثية الممتازة التي تجتذب الأكاديميين من جميع أنحاء العالم، فإن المملكة لا تُجري ما يكفي من التجارب السريرية. ويمثل هذا فجوةً كبيرةً في ملف الأبحاث المزدهر في البلاد، وتحديًا ينهض مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية (كيمارك) لمواجهته من خلال مبادرته: الشبكة السعودية للتجارب السريرية. فعن طريق زيادة التجارب السريرية في جميع أنحاء البلاد، يمكن للباحثين أيضًا تطوير دواء للجينوم الخاص بالسكان السعوديين.
تهدف الشبكة السعودية للتجارب السريرية (SNCT) إلى زيادة جودة التجارب السريرية المجراة في المملكة العربية السعودية وعددها عبر مشروعين رئيسيين؛ يهدف أحدهما إلى تطوير الإطار القانوني والتنظيمي للمملكة لتقليل البيروقراطية، ويهدف الآخر إلى تدريب المواهب الضرورية والحفاظ عليها.
تقول شروق اليوسف، قائدة المشروع، إن الشبكة السعودية للتجارب السريرية تعطي أولويةً لجذب خبرات التجارب السريرية والحفاظ عليها داخل البلاد من خلال برنامج تدريبي وعن طريق جلب خبراء دوليين لتدريب موظفي البحوث السريرية السعوديين الحاليين والمستقبليين.
يتطلع المركز أيضًا إلى تحقيق نقلة في البيئة التنظيمية داخل المملكة العربية السعودية بحيث تصبح البلاد وجهةً جاذبةً للشركاء الوطنيين والدوليين. وفي سبيلها لتحقيق ذلك، تواجه المبادرة أيضًا أكبر تحدٍّ لها، والذي يتمثل في أن التجارب السريرية حساسة جدًّا من حيث الوقت، وستتجه صناعة الأدوية البيولوجية نحو المواقع الأكثر ملاءمةً للإيقاع السريع للتجارب السريرية. يقول عبد العالي حوضي، رئيس قسم الاستراتيجية وتطوير الأعمال في كيمارك "الأمر ليس مفتوحًا، لا يمكننا الانتظار ستة أشهر، أو 12 شهرًا أو 18 شهرًا لحين صدور قرار؛ فلن ننجح ما لم يتكيف هيكلنا الوطني". .في هذا الشأن، يعمل كيمارك بالتعاون مع الهيئة السعودية للغذاء والدواء، في إطار الجهود المشتركة لتعزيز التفاهم وزيادة الاهتمام بالتجارب السريرية.
من المتصوّر أنه من خلال إرساء الأسس لكل من تطوير المهارات وقابلية الإجراءات التنظيمية للتعديل، يمكن للمملكة العربية السعودية البدء في تحويل النظام الإيكولوجي للتجارب السريرية بها. كما يأمل الفريق الذي يقف وراء المبادرة أن تصبح الشبكة السعودية للتجارب السريرية مركزًا إقليميًّا للأدوية والعلاجات، ومركزَ تنسيق للتجارب السريرية.
إرساء الأسس
يعمل كيمارك على زيادة الأبحاث السريرية من خلال منح العلماء مزيدًا من الوقت. يقول حوضي: "من المعروف أن الأطباء مشغولون للغاية، وتخصيص وقت لمرضاهم هو أهم أولوياتهم"، ويضيف موضحًا أن بعض الدول في أوروبا وأمريكا الشمالية تخصص وقتًا محميًّا من الأعباء اليومية للأطباء ليتمكنوا من التركيز على البحث. ويقول: "ما لم نتمكن من توفير الفرصة نفسها هنا، فلن يجدوا أبدًا الوقت للقيام بالتجارب السريرية".
وفي محاولة منه للتخفيف، يضخ كيمارك المزيد من التمويل للأطباء عن طريق برنامج المنح، بغيةَ تقليل الوقت المُهدَر في تقديم طلبات الحصول على المنح الخارجية. وبالفعل تجري هذه الجهود على قدم وساق وبدأت تؤتي ثمارها، ففي سبتمبر 2018، كشف1 باحثون يمولهم كيمارك عن مجموعة كبيرة من بيانات جديدة عن انتشار طفرات جيني BRCA1/2 المرتبطين بالسرطان لدى المريضات السعوديات المعرضات لخطر الإصابة بسرطان الثدي.
أراد حوضي الاستفادة بشكل أفضل من خبرة كيمارك ، والمساعدة في تطوير التجارب السريرية في جميع أنحاء المملكة. ويتذكر قائلًا: "لقد بدأنا التفكير في نقل مبادرة التجارب السريرية إلى المستوى الوطني منذ حوالي عامين". وبالنظر إلى التقدم الذي أحرزته مؤسسته في الحفاظ على تجاربها السريرية الخاصة، وفائدتها العائدة على الرعاية الصحية والاقتصاد، أدرك الحوضي "أن موارد مؤسسة واحدة فقط لن تكون كافية".
على مدار حوالي 15 شهرًا، وضع حوضي واليوسف وفريقهما خطةً لطرحها على الحكومة. وقد أثمرت جهودهم عندما حصلت المبادرة على تمويل بمبلغ 55 مليون ريال سعودي (أكثر من 14.6 مليون دولار أمريكي) و أعتبرها خالد الفالح، وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، واحدةً من أهم المبادرات في البلاد. وفي يناير 2019، أعلن ولي عهد المملكة العربية السعودية، محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، عن إطلاق العديد من المبادرات الوطنية تشمل مبادرة التجارب السريرية، ووقَّعت مذكرة تفاهم لدعم المشروع.
تعاون عبر الحدود
يستمد فريق كيمارك الإلهام والتوجيه من قصة نجاح الأبحاث السريرية في كوريا الجنوبية، حيث يوضح حوضي أنه في أقل من 10 سنوات حولت كوريا الجنوبية ملف تجاربها السريرية العادي إلى ملف رائد على مستوى العالم. وتُعتبر المؤسسة الكورية الوطنية للتجارب السريرية (KoNECT) الآن شريكًا وثيقًا لمبادرة كيمارك، ويأمل مؤسسو الشبكة السعودية للتجارب السريرية أن يتمكنوا من تكرار النمو الكوري الجنوبي الاستثنائي في بلدهم. كما يتطلع مهندسو الشراكة السعودية - الكورية الجنوبية إلى أن يعمق عملهم العلاقات بين البلدين أيضًا.
بعد اجتماعات في كلٍّ من كوريا الجنوبية والمملكة العربية السعودية، وقَّع ممثلون عن كلتا المؤسستين اتفاقيةً في عام 2017 للاستكشاف المشترك لسبل الابتكار في مجال البحث والتطوير الطبي. وقد تم الانتهاء من اتفاق جديد لتنفيذ دورات تدريبية للباحثين السعوديين. وتقول اليوسف: "أعتقد أن المستقبل سيزخر بالمزيد من مثل هذه الاتفاقيات". ويضيف الحوضي أنهم "سيكونون شركاءنا على مدار هذه المبادرة كلها... يمكننا التعلم من نجاحهم ونأمل أن نحسن ممارساتنا الخاصة هنا". وقع كيمارك العقد في يونيو الماضي، ويتطلع إلى البدء رسميًا في أكتوبر 2019.
يرى حوضي أنه ثمة عوامل رئيسية تجعل من كيمارك المؤسسة المناسبة لقيادة برنامج التجارب السريرية الجديد في البلاد. فيقول: "إننا كمؤسسة نُجري أكبر عدد من التجارب السريرية في البلاد، بمعدّل 70 تجربة سريرية سنويًّا"، مضيفًا أن مواقع كيمارك المنتشرة في جميع أنحاء البلاد توسّع نطاق وصول المؤسسة إلى "جميع المواطنين السعوديين". إضافةً إلى ذلك، يمتلك كيمارك بالفعل منظمته للأبحاث السريرية، والتي تجلب معها رؤى أساسية وخبرة إلى الجانب التجاري من عمليات الأبحاث السريرية. العلاقات الوطيدة التي تربط بين مركز الأبحاث والحكومة والأوساط الأكاديمية تقدم الدعمَ للعديد من المؤسسات الرائدة في جميع أنحاء البلاد، ومن ضمنها الهيئة السعودية للغذاء والدواء، المجلس الصحي السعودي، ومستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، وجامعة الملك عبد العزيز، وجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن. كما أن كيمارك هو أيضًا المؤسسة الوحيدة في المملكة العربية السعودية التي تبني مركزًا للمرحلة الأولى من التجارب السريرية. يقول حوضي: "المرحلة الأولى هي المرحلة الأساسية في التجارب السريرية، وهي مؤشر جيد على قدرة المؤسسة على الابتكار في البحث والتطوير الطبي".
وإلى جانب العائدات المحتملة الهائلة للشبكة السعودية للتجارب السريرية، والدعم الذي ستقدمه للتجارب السريرية السعودية، توفر المبادرة أيضًا دعمًا مباشرًا لهدف رؤية السعودية 2030.
ربما يكون المرضى السعوديون هم أكبر المستفيدين من الشبكة السعودية للتجارب السريرية. ففي ظل النقص الحالي في التجارب السريرية عالية الجودة في البلاد، لا تزال هناك فرصة غير مستغلة بقدر كبير لتكييف علاجات تناسب حالات ناشئة عن العوامل الوراثية الخاصة السعودية. سيؤدي الاستثمار في التجارب السريرية السعودية حتمًا إلى علاجات وتدخُّلات جديدة قادرة على تغيير حياة المواطنين السعوديين. ولا يزال الطريق طويلًا قبل تحقيق هذا الهدف، لكن كيمارك يحقق تقدمًا يوميًا. يقول حوضي: "من المأمول أن يؤدي هذا إلى تأسيس بيئة تؤدي إلى تسهيل عملية تطوير صناعات العقاقير محليًّا، وتصنيعها وتسويقها تجاريًّا، خطوة بخطوة."
References
- | article