التجارب السريرية: بداية مُبشّرة في المملكة العربية السعودية

دلائل مبكرة تشير إلى أن السعوديين على استعداد لقبول برنامج المملكة الجديد للتجارب السريرية على البشر والمشاركة فيه.

ozgurdonmaz/ iStock / Getty Images Plus

يتطلب اختبار العقاقير واللقاحات اختبارًا كاملًا، إجراء تجارب سريرية على متطوعين من البشر. وفي حين يُجري عديد من دول العالم التجارب السريرية «الأولى على البشر» منذ عقود مضت، فإن المملكة العربية السعودية لم تُنشئ المركز الأوَّل بها للتجارب السريرية «الأولى على البشر»، ومقره في مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية (كيمارك) في العاصمة الرياض، إلا في شهر ديسمبر عام 2019. ويعكف باحثو المركز حاليًا على إجراء المرحلة الأولى من التجربة السريرية الأولى لاختبار لقاح جديد لفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية MERS-CoV على متطوِّعين أصحَّاء.

تساعد هذه التجارب العلماءَ على التحقق من سلامة الأدوية واللقاحات الجديدة، إضافة إلى توضيح آليات عملها بدقة؛ أي تحديد كيفية عمل العقار وسلوكه بالضبط بمجرد دخوله الجسم. ويسبق هذه التجارب سنوات من العمل على جزيء معيّن في المختبرات وعلى الحيوانات، لتعظيم فرص الوصول إلى نتائج آمنة وإيجابية وذات قيمة كبيرة عندما يصل الدواء إلى مرحلة التجارب الأولى على البشر.

ومن بين التحديات القائمة أمام برامج هذه التجارب ضرورة استقطاب المتطوعين والاحتفاظ بهم. وبناءً على العقار المُراد اختباره، قد يحتاج العلماء إلى أصحّاء لتجربة العقار عليهم، وفي بعض الأحيان تُجرى التجارب على مصابين بمرض معيّن بعد أخذ موافقتهم. وجدير بالذكر أن الوصول إلى مجموعة راغبة في المشاركة ومتنوعة من الأشخاص الذين ينتمون إلى خلفيات وفئات عمرية وحالات صحية مختلفة، ميزة لا تُقدَّر بثمن للباحثين السريرين. كما أن القدرة على اختبار أدوية جديدة على مجموعات مختلفة الجنسيات، لها أهمية بالغة في الأوساط البحثية الدولية الأوسع نطاقًا.

ومع بزوغ عهد جديد للتجارب الأولى على البشر في المملكة العربية السعودية، أجرى عادل المطيري وبدرية المطيري وفريقهما البحثي في وحدة العلوم والتقنية وخدمات التجارب السريرية الخاضعة لإشراف مكتب الأبحاث في كيمارك، دراسة استقصائية شملت 657 مواطنًا سعوديًا لتحرّي موقفهم تجاه المشاركة في هذه التجارب. وأظهرت النتائج التي توصلوا إليها موقفًا إيجابيًا واستعدادًا قويًا للمشاركة، ولا سيّما بين الشباب.

يقول عادل المطيري: "في الفترة التي سبقت إنشاء الوحدة الخاصة بمركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية في المملكة، بدأنا نتساءل: هل نحن مستعدّون لذلك؟" ويضيف: "تساءلنا أيضًا عما إذا كان الناس سيولّون مزيدًا من الاهتمام لهذه التجارب بوجه عام، وما إذا كنا نستطيع الاستفادة من هذا الاهتمام لتشجيع المتطوّعين. وكنا نشعر بالفضول لمعرفة ما إذا كان أبناء مجتمعنا سيكونون متفتحي الذهن ومستعدين للمشاركة في مثل هذه التجارب".

وفي شهر فبراير عام 2018، وزَّع أعضاء الفريق استبيانًا إلكترونيًا ملأت بياناته أعدادٌ متساوية من الذكور والإناث من مختلف الأعمار والخلفيات. كان المشاركون قد أبدوا قبل ذلك اهتمامهم بالدراسة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو جرى التواصل معهم في أثناء المهرجان الثقافي والتراثي (الجنادريّة) الذي يُعقَد سنويًا في الرياض. وهدفت أسئلة الاستبيان إلى استكشاف دوافع جمهور الشعب السعودي ومدى استعداده للمشاركة في التجارب الأولى على البشر، فضلا عن توضيح موقفهم من المشاركة في مثل هذه التجارب.

أعرب قرابة 72% عن عزمهم المشاركة في تلك التجارب، وكان الأشخاص الذين يُكنون تقديرًا كبيرًا لخدمات الرعاية الصحية في البلد أكثر ميلًا إلى تبنّي موقف إيجابي بشأن أهمية تلك البرامج. وإضافة إلى ذلك، قال أكثر من 80% إنهم سوف يشاركون إذا أوصى أطبّاؤهم بذلك، وهو ما سلِّط الضوء على الاحترام الكبير الذي تحظى به مهنة الطب في المملكة.

يقول جرانت هوان، مدير برنامج الدراسات التعاونية لدى وزارة شؤون المحاربين القدامى في واشنطن العاصمة بالولايات المتحدة، والذي لم يشارك في الدراسة: "أظهرت دراسات بحثية سابقة أن أحد الأسباب الرئيسية وراء مشاركة الناس في شتى أنحاء العالم في التجارب السريرية يرجع إلى الإيثار؛ فالناس يرغبون حقًا في مساعدة الآخرين". تكمن خبرة هوان في تصميم التجارب السريرية وإجرائها على المستويين الوطني والدولي، وكذلك الدراسات الوبائية واسعة النطاق. ويضيف: "يتفق كثير من المشاركين النشطين على رغبتهم في إفادة البشرية، ولدى بعضهم اهتمام شخصيّ كبير بمجال الطب والعلوم".

يقول عادل المطيري إن الدراسة السعودية تبيِّن أن "الشباب (دون سن الثلاثين) والعزّاب أبدوا أكبر قدر من الاهتمام بالمشاركة في التجارب". ويضيف: "قد تكون هناك درجة معيّنة من الانحياز الناجم عن التأثير الثقافي بين المشاركين الأصغر سنًا، نظرًا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة يبدو أنها لعبت دورًا بارزًا في تبادل وجهات النظر بشأن التجارب السريرية الأولى على البشر ومناقشتها بجدية واستفاضة".

ورغم أن النظرة العامة لهذه التجارب في المملكة العربية السعودية تبدو إيجابية، فقد سلَّط المشاركون في دراسة المطيري الضوء أيضًا على عددٍ من المخاوف، إذ طُلب منهم ترتيب مجموعة من العبارات وفقًا لمدى اتفاقهم معها أو اعتراضهم عليها. ومن بين العبارات المُعبِّرة عن «المخاوف»، جاء في المراتب الأولى الشعورُ بالخوف من المجهول، والقلقُ من معاملة الناس مثل حيوانات التجارب كخنزير غينيا مثلا. وأعربت نسبة 57٪ من المشاركين عن تفضيلهم التجارب الأقصر زمنًا -التي تتراوح مدتها بين يوم وثلاثة أيام- على تلك التي تستغرق أسبوعًا أو أكثر. وشملت المخاوف الأخرى التعارض بين التجارب والمعتقدات الدينية والاجتماعية والأخلاقية.

يقول هوان: "من الأهمية بمكان أن نَعِي قبل أي شيء أننا نتعامل مع بشر، ولا بدَّ لنا أن نراعي معتقداتهم وخبراتهم، وغيرها من العوامل الشخصية". ويردف: "وكي نغيّر من هذه المعتقدات ونشجّع عموم الجمهور على المشاركة في التجارب، يتطلب الأمر مساعدتهم على فهم قيمة التجارب السريرية والدور الذي تؤديه. ويمكن للحكومات والمجتمعات العلمية والسريرية والمرضى أيضًا، أن يلعبوا دورًا بارزًا في توضيح أهمية إتمام التجارب. ومن المُهم أيضًا فهم التصوّرات التي كوّنها الناس بخصوص التاريخ الأوسع نطاقًا للتجارب السريرية".

وبناءً على نتائج الدراسة، وضع الفريق البحثي بكيمارك خطة استراتيجية شاملة، تتضمن حملة توعية جماهيرية لزيادة الوعي بجميع مراحل التجارب السريرية، تغطي مواضيع مثل أهداف كل مرحلة من مراحل التجارب، وحقوق المشاركين، ودور اللجان الأخلاقية في حمايتهم، إلى جانب معلومات عمليّة بشأن إجراءات أخذ الموافقة وكيفية التسجيل.

تقول بدرية المطيري: "دشَّنا مؤخرًا قاعدة بياناتنا التي تضم أعضاء مجتمع التجارب السريرية، وهي عبارة عن سجل ببيانات المتطوعين الأصحّاء، وقد سجَّل نحو 400 شخص خلال فترة قصيرة، ووجّهنا الدعوة إلى بعضهم لإجراء فحوصات لقيدهم في التجربة الراهنة على لقاح فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية".

وإضافة إلى ذلك، توضِّح بدرية المطيري أنهم قد أنشأوا حسابًا على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» باسم (@KAIMRC_RF) خصيصًا لنشر معلومات علمية دقيقة تسهُل متابعتها بشأن التجارب السريرية. كما وزَّعوا مواد إعلامية مطبوعة في جميع أنحاء المملكة.

ويمكن أن تؤدِّي القدرة على إشراك الأشخاص الذين سوف يستفيدون في نهاية المطاف من التجارب إلى زيادة درجة الاهتمام والمشاركة. وبالنظر إلى جائحة مرض كورونا («كوفيد-19») العالمية الحالية، فقد تكون ثمة فرصة لمساعدة مزيد من الناس على فهم أهمية التجارب السريرية، حسبما يقول هوان.

وتقول بدرية المطيري: "سوف نقيم حوارًا مستمرًا وصادقًا مع أفراد مجتمعنا من الآن فصاعدًا. وسوف ننقل معلومات دقيقة إلى الجمهور، ونشارك نتائج الدراسات مع جميع المتطوعين بلغة بسيطة غير معقدة علميا حتى يتمكنوا من معرفة أهمية ما يقومون به من عمل، وعلى التأثير الذي أسهموا في صنعه".

ويعكف كيمارك حاليًا على إنشاء مكتب لاستقطاب المتطوعين وإشراكهم في التجارب، سيكون مُكرّسًا لضمان الحفاظ على استمرارية اهتمام الأفراد بالأمر على المدى الطويل، والإجابة عن أسئلة المشاركين ودعوتهم إلى حضور ورش عمل تتناول موضوعات وثيقة الصلة، مثل حقوق المتطوعين المشاركين في التجارب، وتقديم تدريبات على البروتوكولات المتبعة، وجمع تقييماتهم لتحسين جودة المشاركة.

يقول عادل المطيري: "نعتقد أن توعية الناس هي الطريقة المثلى لضمان المشاركة الحالية والمستقبلية. وقد تلقّينا بالفعل تقييمات من المتطوعين المُسجّلين لدينا تفيد بأنهم يشعرون بأنهم يقدمون المساعدة للبشرية جمعاء، بإسهامهم في إيجاد العلاج وإنقاذ الأرواح".

References

  1. Almutairi, A.F., Almutairi, B.M., Alturki, A.S., Adlan, A.A., Salam, M., Al-Jeraisy, M.I., & Balkhy, H.H. Public motives and willingness to participate in first-in-human clinical trials in Saudi Arabia: A new era in the making. Journal of Infection and Public Health 12 673-680 (2019) | article

أقرأ أيضا

علم التشخيص: تجاهلوا تقليب العينات في تحليل نقص فيتامين "د"

اكتشاف قد يوفر الوقت والجهد لفنيي المختبرات: تحليل فيتامين "د" لا يتطلب تقليب العينات

اختبارٌ سريعٌ لقياس مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية

أجرى فريقٌ بحثي دولي يضم بين أعضائه حسام زواوي -الباحث في مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية (كيمارك)

خلايا مناعية مُعزَّزة من أجل مقاومة سرطان الغدد الليمفاوية

نهجُ علاج مناعي قائم على تهيئة الخلايا المناعية لدى المريض، كي تصبح قادرة على التصدي لخلايا سرطانية مُحدَّدة، يُظهر نتائج واعدة في مقاومة أورام ليمفاوية نادرة.