8 أكتوبر 2019
كشفت دراسة جديدة أجراها باحثون في الولايات المتحدة الأمريكيّة أن الأطفال المولودين نتاج التلقيح الاصطناعيّ (IVF)، أكثر عرضةً بدرجة طفيفة للإصابة بسرطانات الطفولة المبكرة، وخاصّةً سرطانات الكبد والجهاز العصبيّ المركزيّ. توصلت الدراسة -التي أجرتها جامعة مينيسوتا- إلى أن المعدل الكلِّيَّ لإصابة أطفال الأنابيب بالسرطان قد يكون أعلى بنسبة 17%، مقارنةً بمعدَّل حدوث السرطان في الأطفال المولودين عن حملٍ طبيعي، وأن نسبة حدوث أورام الكبد قد تكون أعلى مرتين ونصف.
إلا أن الباحثين يؤكدون أن هذا الاحتمال الزائد أقل من أن يُقلق الأشخاص الذين يدرسون الإنجاب بالتلقيح الاصطناعيّ؛ إذ إن نسبة حالات السرطان هي 252 حالة في كل مليون ولادة بالإخصاب المعمليّ، أي ما يوازي 0.025%.
يُذكر أن أول طفلة تولد بعد الحمل بها بالتلقيح الاصطناعيّ كانت لويز براون، وذلك في عام 1978 في مانشستر بالمملكة المتحدة، وبلغت نسبة مواليد الولايات المتحدة بهذه الطريقة 1.7%خلال عام 2015، وفقًا لمسح حديث. وقد وُجِد أن الماشية المُنْتَجة من خلال التلقيح الاصطناعيّ لديها احتمال أكبر للإصابة باضطراب فرط النمو، كما أن الأطفال الناتجين عن التلقيح الاصطناعيّ يكون لديهم احتمال أكبر للإصابة بنظير هذا الاضطراب في الإنسان، والمسمَّى بمتلازمة بيكويث-وِدمان، والذي يجعل الأطفال عرضةً للإصابة بأنواعٍ معينة من السرطان.
يقول الباحث الرئيسي في الدراسة لوجان سبكتور، أخصائي وبائيات سرطان الأطفال بجامعة مينيسوتا: "لم تكن هناك أدلة كثيرة تقول إن الأمر مُقلِق، لكنها كانت كافيةً لنا لتحرِّي الأمر". أجرى فريق سبكتور أكبر دراسة أترابية حتى الآن، لفحص احتمال حدوث السرطان بين أطفال الأنابيب، إذ درسوا عينةً أكبر من الدراسات السابقة بمرتين ونصف المرة، ونشروا نتائج الدراسة في دورية «جاما بيدياتريكس» JAMA Pediatrics في أبريل 2019.
بالتعاون مع باحثين من أرجاء الولايات المتحدة، جمع سبكتور البيانات من نظام تسجيل النتائج السريريّة التابع لجمعيّة تقنيات الإخصاب المُساعَد (SART CORS) للوصول إلى المواليد نتاج التلقيح الاصطناعيّ في سجلات المواليد في 14 ولاية. بعد ذلك قارن الباحثون بيانات أولئك المواليد بما يعادلهم بعشرة أضعاف من المواليد بغير التلقيح الاصطناعيّ، واستخدموا القائمة الكليّة لدراسة معدلات حدوث سرطان الأطفال، اعتمادًا على البيانات في سجلّات حالات السرطان. وجد الباحثون ارتباطًا طفيفًا بين التلقيح الاصطناعيّ والمعدلات الكليّة لحدوث السرطان، بنسبة حوالي 252 حالة سرطان في كل مليون مولود ناتج عن التلقيح الاصطناعيّ، مقارنةً بـ193 حالة في كل مليون مولود عن حمل طبيعي.
يقول سبكتور: "الاستنتاج الأهم في بحثنا هو أن أغلب سرطانات الأطفال ليست أكثر شيوعًا في الأطفال نتاج التلقيح الاصطناعي". ويوضح سبكتور أن الارتباط الطفيف بين التلقيح الاصطناعيّ ومعدلات الإصابة بالسرطان دافعه الرئيسي هو زيادة صغيرة في حدوث الأورام الجنينيّة، وتضاعُف في معدل حدوث أورام الكبد في المواليد نتاج التلقيح الاصطناعيّ، وهو ما يتفق مع دراسة أُجريت في المملكة المتحدة عام 2013، كَشَفَتْ أن أورام الكبد كانت أكثر شيوعًا بثلاثة أضعاف تقريبًا في الأطفال الذين حملت بهم أمهاتهم بالتلقيح الاصطناعيّ.
إلا أن المعدل الكليّ لحدوث هذه الأورام منخفض للغاية. وقد استخدم سبكتور مثال تذاكر اليانصيب لتقريب الفكرة، إذ يشرح قائلًا: "من المخيف السماع بمضاعفة نسبة الخطر بالإصابة، لكن إذا اشتريت تذكرتَيْ يانصيب، فسيظلّ الجميع مُجمعين على أن فرصك في الفوز متناهية الضآلة، رغم أن لديك ضِعْف الفُرصة في الفوز".
التعرف على عوامل الخطورة
تشير ماري هارجريف –من كبار الباحثين بمركز أبحاث الجمعيّة الدنماركيّة للسرطان، لم تشارك في الدراسة- إلى أن سرطانات الطفولة شديدة الندرة، وخاصةً أورام الكبد، لكنها تضيف: "سرطان الأطفال هو السبب الرئيسي لوفاة الأطفال بسبب المرض في دول الغرب"، حتى إن الناجين منه يواجهون احتمالًا عاليًا للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدمويّة أو اضطرابات الغدد الصماء أو السرطانات الثانويّة. "إن التعرف على عوامل الخطورة ضروريّ لفهم الآليّات الكامنة".
وبينما قامت الدراسة بقياس زيادة في معدلات السرطان، إلا أن الباحثين لم يتمكنوا من تحديد ما إذا كانت هذه الزيادة بسبب التلقيح الاصطناعيّ أم بسبب المشكلات الكامنة في الخصوبة التي أدت بالوالدين إلى اختيار التلقيح الاصطناعيّ. يقول سبكتور: "على المستوى العمليّ هذا لا يُهم. فإذا أتاح التلقيح الاصطناعيّ لشخصٍ ما إنجاب طفل لديه احتمالية أعلى للإصابة بالسرطان، فإنه من اللازم معرفة ذلك، أيًّا كان مصدر الخطورة".
إلا أن فهم أصل أي زيادة في المخاطر هو الخطوة الأولى تجاه التعامل معها. إذا كانت عملية التلقيح الاصطناعيّ هي مصدر المشكلة، فمن الممكن تعديل الممارسات من أجل تقليل المخاطر الناتجة عن العملية، أو القضاء عليها. يقول سبكتور تعليقًا على نتائج دراسته الحالية: "لم نُحدد أي شيء قد تحتاج عيادات التلقيح الاصطناعيّ إلى فعله بطريقة مختلفة". إلا أنه بدأ مشروعًا جديدًا للبحث عن الاختلافات بين الأورام المصاب بها الأطفال نتاج التلقيح الاصطناعيّ والمولودين عن حمل طبيعي، ويقول: " قد يساعدنا ذلك في تمييز الأثر البيولوجيّ للتلقيح الاصطناعيّ".
يقول أندريا ريتشو، أستاذ علم الجينات بجامعة كامبانيا لويجي فانفيتللي، والذي لم يشارك في الدراسة: "بناءً على هذه الدراسة، من الممكن استخدام تحليل مَثْيَلَةِ الحمض النوويّ للمولودين نتاج التلقيح الاصطناعيّ، للتعرُّف وقت الولادة على الأطفال ذوي الاحتمالية الأكبر للإصابة بسرطانات معيَّنة".
البناء على المعرفة
تُعد الدراسة هي الأحدث في سلسلة من الدراسات الأترابية التي تدرس الروابط المحتملة بين التلقيح الاصطناعيّ وسرطان الأطفال، من بينها دراسة المملكة المتحدة عام 2013، ودراسة أُجريت عام 2014 في دول شمال أوروبا. وكانت الدراسات الثلاث كلها متشابهة النتائج. ويعتبر ألاستير ساتكليف –الباحث بطب الأطفال في كلية لندن الجامعيّة، والباحث الرئيسي في دراسة المملكة المتحدة- أن مجموع نتائج الدراسات "مطمئن حتى الآن"، أما سبكتور فيؤكِّد أهميّة إجراء دراسات متوازية في دول مختلفة، بسبب اختلاف ممارسات التلقيح الاصطناعيّ من مكانٍ إلى آخر.
وإضافة إلى الاختلاف بين عمليّات التلقيح الاصطناعيّ، فإن الفئات السكّانية القادرة بسهولة على استخدام التلقيح الاصطناعيّ تختلف فيما بين الدول، بناءً على دعم برامج الرعاية الصحيّة له وكيفيّة تقديمه. في دراسة الولايات المتحدة، كان التلقيح الاصطناعيّ أكثر شيوعًا بكثير بين النساء ذوات البشرة البيضاء المتعلِّمات الأكبر سنًّا، وهو اتجاه قد يؤثر على حياديّة النتائج، ويقول سبكتور: "إنها مسألة شائكة حقًّا"، لكن بعد المزيد من التحليلات الإحصائيّة لاستيضاح الأمر قال: "لا أظن أن ذلك أثَّر تأثيرًا كبيرًا" على النتائج.
تضيف هارجريف أن بعض الاختلافات قد تنشأ أيضًا إذا شملت الدراسات علاجات أخرى للخصوبة إلى جانب التلقيح الصناعيّ، أو حتى بسبب الاختلافات في الهرمونات المستخدمة في أثناء علاجات الخصوبة. تقول هارجريف: "لقد تغيّر هذا بمرور الوقت، وقد يختلف فيما بين العيادات وبين الدول"، وهو ما قد يؤثر على احتمالات حدوث سرطان الأطفال.
كما تتقاطع نتائج الدراسات الأترابية الثلاث أيضًا مع نتائج تحليلٍ تجميعي أجرته هارجريف وآخرون بمركز أبحاث الجمعيّة الدنماركيّة للسرطان عام 2013، جَمَع بياناتٍ من 25 دراسة سابقة، واكتشف احتمالات كُلية أعلى بشكلٍ كبير للإصابة بالسرطان، واحتمالات أكبر للإصابة بأنواع معينة من السرطان، مثل سرطان الدم وسرطانات الجهاز العصبيّ المركزيّ.
إلا أن الباحثين يؤولون هذه النتائج بطرقٍ مختلفة، إذ ترى هارجريف أن "زيادة احتمال إصابة الأطفال بمرضٍ خطير يهدد حياتهم أمرٌ مقلق، إلى جانب العواقب الصحيّة الأخرى المعروفة والأكثر شيوعًا للتلقيح الاصطناعيّ". إلا أن سبكتور يحثّ على التركيز على الخطر المطلق، لا على الزيادة النسبيّة. يقول سبكتور: "لا أظن أن هذه الأرقام ستضمن أن يغيّر الوالدان رأيهما في استخدام التلقيح الاصطناعيّ من عدمه. لا أوصي أي أحدٍ بتغيير سلوكه بناءً على هذا"، مضيفًا أن المشكلات المرضيّة الأكبر في أثناء الحمل والاحتمالات الأكبر لحدوث عيوب خلقيّة مرتبطة بالتلقيح الاصطناعيّ، هي المضاعفات التي يجب أن يدرسها الأشخاص المُقْدِمين على استخدام العلاج.
ويتطلع سبكتور إلى أن يجمع البيانات الناتجة عن هذه الدراسة مع بيانات من دراسات أخرى، على أمل أن ينتج عن تكوين مجموعة بياناتٍ أكبر التوصل إلى استنتاجات أكثر جلاءً، وإلى فتح الباب للمزيد من الدراسات. يقول سبكتور: "سيكون من الأسهل كثيرًا تجميع الدراسات الحالية بدلًا من إجراء المزيد منها"، موضِّحًا أن جمع البيانات قد يكون عمليّةً طويلةً وصعبة.
اخْتُتِمَت دراسة جامعة مينيسوتا بالتوصية بالمراقبة المستمرّة للسرطان في الأطفال المولودين نتاج التلقيح الاصطناعيّ. ويوضح سبكتور أن سبب هذه التوصية أن الأنواع المختلفة من السرطان تبلغ النسب القصوى لحدوثها في أعمار مختلفة، وأن الدراسة تابعت المولودين نتاج التلقيح الاصطناعيّ سبع سنوات فقط –وهي مدة كافية لتغطية سرطانات أطفال مثل سرطان الدم، الذي يحدث دائمًا في السنوات الخمس الأولى تقريبًا من عمر الطفل، إلا أنها مدة أقصر من أن تُكتشف فيها السرطانات التي يرجَّح حدوثها أكثر قرب سن المراهقة أو في أثنائها. ورغم أن المراقبة المستمرّة مكفولة، يأمل سبكتور أن تطمئن هذه الدراسة أطباء الأطفال والآباء المستقبليين بأن الاحتمال الكليّ ما زال ضئيلًا جدًّا. ويضيف سبكتور: "لقد تعمَّدنا نشر هذه الدراسة في دوريّة يمكن لأطباء الأطفال ملاحظتها فيها بسهولة".
References
- Spector, L.G. Brown, M.B., Wantman, E., Letterie, G.S., Toner, J.P. et al. Association of In Vitro Fertilization With Childhood Cancer in the United States. JAMA Pediatrics 173 (2019). | article