أظهرت دراسة جديدة أن سحالي السياج التي تعرَّض أسلافُها لضغوط شديدة على نحو متكرر تميل إلى اكتساب استجابات مناعية أفضل إزاء الضغوط التي تواجهها في المراحل الأولى من حياتها. 

تقول جيل ماكورميك، المشرفة على الدراسة المنشورة في دورية "ذا جورنال أوف إكسبريمنتال بيولوجي" Journal of Experimental Biology، وعالِمة الأحياء في جامعة ولاية بنسلفانيا: "حين نُفكر في الطريقة التي يستجيب بها الكائن الحي للضغوط، فإننا لا نأخذ الخبرات السابقة دائمًا في الاعتبار. غير أن أبحاثنا تُظهِر أن كلًّا من تجارب التعرُّض للضغوط التي يمر بها الفرد في أثناء حياته، وتلك التي يمر بها أسلافه، تؤديان دورًا مهمًّا في كيفية استجابته للضغوط". 

في العادة، تستجيب الحيوانات لمُسببات الضغوط، التي تتضمن هجمات المُفترسات عليها، بالعراك، أو الهروب، أو تعزيز وظائفها المناعية استعدادًا لما قد تتعرض له من إصابات رضِية وصدمات نفسية -وتلك الأخيرة كانت محور الدراسة التي أشرفت عليها تراسي لانجكيلد، رئيسة قسم علم الأحياء في جامعة بنسلفانيا.

ولدراسة الضغوط العابرة للأجيال وانعكاساتها على النمو خلال المراحل الأولى من الحياة، أجرت ماكورميك بالتعاون مع زملائها تجارب على ما يُعرَف باسم سحالي السياج الشرقي Sceloporus Undulatus التي تستوطن جنوب شرق الولايات المتحدة. فبدءًا من ثلاثينيات القرن العشرين، غالبًا ما كانت السحالي تعيش في موائلها جنبًا إلى جنب مع النمل الناري، وهو نوع عدواني يلدغ ضحاياه ثم يتركهم عُرضةً للإصابة بأشكال فتاكة من العدوى.

ولأغراض المقارنة، جمع الباحثون عددًا من إناث السحالي الحوامل من كلٍّ من المواقع منخفضة الضغوط التي تخلو من النمل الناري، والمواقع عالية الضغوط التي تعرضت فيها هذه الزواحف لهجمات المُفترسات على مدار أكثر من 30 جيلًا.

وعكفوا على تربية ذُريَّات تلك السحالي، مع التنويع في مستويات تعرُّضها للضغوط خلال السنة الأولى من عمرها. وقد جرى تعريض الصغارإما لهجمات النمل الناري، أو إعطاؤها جرعات موضعية من الكُورْتِيكُوستِيرُون المذاب في الزيت، تسبب ارتفاعًا حادًّا في نسب الكُورْتِيكُوستِيرُون في الدم، كمحاكاة للاستجابات الفسيولوجية التي تصدر عنها عند تعرُّضها لهجمات حقيقية.

عند تعرُّض الجسم للضغوط، تحدث فيه سلسلة من التغيُّرات الفسيولوجية تساعده على البقاء على قيد الحياة والتعافي. ويُسفر عن هذا إفراز الهرمونات القشرية السكرية الخاصة بالضغوط، الكورتيزول لدى البشر، والكُورْتِيكُوستِيرُون لدى السحالي. تعمل تلك الهرمونات على وقف الالتهابات وتعطيل جهاز المناعة.

لكن تَبيَّن أن السحالي التي عاش أسلافها في بيئات عالية الضغوط، تصدر عنها استجابة تكيُّفية أفضل من غيرها للهرمونات القشرية السكرية، عبر تقوية وظائفها المناعية بدلًا من كبحها.

وعلى المدى الطويل، وفقًا لماكورميك؛ يكون التمتع باستجابة مناعية قوية للضغوط أكثر نفعًا للسحالي في تعامُلها مع مُسببات الضغوط المستمرة، إذ إن التعرُّض للضغوط لفترات طويلة أو بمستويات عالية الشدة يترتب عليه آثار سلبية، مثل انخفاض معدلات النمو والخصوبة ونقص المناعة.

غير أن هذه النتائج كانت مفاجئة بالنسبة لماكورميك وزملائها، نظرًا إلى أن أبحاثهم السابقة كانت قد أظهرت أن تعرُّض تلك السحالي لضغوط في المراحل الأولى من حياتها لا يؤثر عمومًا على قدرتها على البقاء، في حين أن الضغوط التي تعرَّض لها أسلافها تؤثر على هذه القدرة.

ويخطط الباحثون لدراسة الأثار الناتجة عن الضغوط المترتبة على الأمومة. تقول ماكورميك: "من الممكن أن تؤثر الضغوط التي تتعرض لها الأم على هرمونات الإجهاد في مُح البيض الذي تضعه، كما يمكن أن تُؤثر على الاستجابات الفسيولوجية والمورفولوجية والسلوكية التي تصدر عن ذرِّيَّتها عند تعرُّضهم للضغوط. ونحن نريد أن نتقصى ما إذا كانت تأثيرات الأمومة تلعب دورًا في الفروق المناعية التي لاحظناها في هذه الدراسة".

References