8 ديسمبر 2016
في شهر سبتمبر عام 2016، أُبلغ عن ما لا يقل عن اثنتي عشرة حالة إصابة جديدة بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) في المملكة العربية السعودية، لتصل أعداد الإصابة في المملكة إلى ما يزيد على 1450 حالة، توفي منها 610 حالات.
ظهرت العدوى في المملكة للمرة الأولى في سبتمبر عام 2012، إلا أنه منذ ذلك الحين جرى الإبلاغ عن حالات إصابة بالعدوى مؤكدة معمليًا في سبع وعشرين دولة.
وعلى الرغم من الإبلاغ عن إصابة ما يزيد على 1800 حالة بالمتلازمة على مستوى العالم، فقد حظيت السعودية بنصيب الأسد من هذه الإصابات. ففي كل عام، يذهب الملايين إلى مكة لتأدية فريضة الحج2 ، مما يزيد المخاوف من حدوث تفشٍّ سريع لعدوى متلازمة الشرق الأوسط التنفسية3 وغيرها من الأمراض المعدية في جميع أرجاء العالم.
ولأن المملكة العربية السعودية تُعَد بؤرة العدوى، صارت مشاركتها في الجهود العالمية المبذولة لمكافحة انتشار المرض أمراً أساسيّاً. فقد أسهمت الأبحاث التي أجريت في المملكة في فهم بيولوجيا الفيروس وتطوير لقاحات مضادة له.
تقول حنان بلخي -من مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية، وتشغل أيضاً منصب المدير التنفيذي لإدارة الطب الوقائي ومكافحة العدوى في الشؤون الصحية بوزارة الحرس الوطني-: "أسهم الباحثون السعوديون بإسهامات متميزة في التعرُّف على العلامات والأعراض السريرية للمرض؛ لمساعدة الأطباء في التعرُّف على الحالات المصابة على نحو أفضل".
وتضيف بلخي: "كما حققوا تقدماً مهماً في تحديد عوامل الخطورة للمرض، وفي تقييم فاعلية العلاجات".
التعرف على مصدر العدوى
تؤثر متلازمة الشرق الأوسط التنفسية على الجهاز التنفسي ويتسبب فيها فيروس كورونا المعروف اختصاراً باسم ميرس( MERS-Cov). وكان يُظَن في البداية أنه ينتقل من الخفافيش إلى البشر عن طريق تناوُل الأطعمة الملوثة بروث الخفافيش.
ومع ذلك، أعلن باحثون من جامعة الملك فيصل في الأحساء، بالتعاون مع باحثين من مصر وهونج كونج في عام 2014 عن عزل فيروس كورونا من قطيع من الجمال العربية4 في مزرعة بواحة الأحساء شرقي السعودية.
أكد ذلك أن الجمال تعمل بمنزلة عائل وسيط للفيروس الذي يتكاثر في خلاياها بأعداد كبيرة. لذا يُحتمل أن تكون الجمال هي المسؤولة عن انتشار العدوى بين البشر الذين يتصلون بها اتصالاً وثيقاً.
وفي وقت لاحق من ذلك العام، أثبت باحثون من مركز الملك فهد للبحوث الطبية بالدليل الانتقال المباشر لفيروس كورونا من الجمال إلى البشر5.
في الآونة الأخيرة، نشر باحثون سعوديون أول دراسة حالة لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية تشمل حالات فردية للمرض مقترنة بحالات ضابطة –وهو أسلوب يُستخدَم في مقارنة المرضى المصابين بمرض معين مع آخرين أصحاء، وتحديد عدد المرات التي يتعرضون فيها لعوامل الاخْتِطار. يساعد ذلك في التعرُّف على العلاقة بين تلك العوامل والمرض.
تعرَّف باحثون من مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة، بالتعاون مع آخرين في مراكز مكافحة الأمراض واتقائها بالولايات المتحدة، على جميع الحالات المعروفة المصابة بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية التي كانت قد رُصدت بالسعودية في الفترة بين شهري مارس ونوفمبر عام 2014، والبالغ عددها 535 حالة، وقارنوها بمئة وست عشرة حالة غير مصابة، من حيث الحالة الصحية وتعرضهم المباشر لعوامل الاخْتِطار المعروفة الموجودة في البيئة.
وأثبت هذا التحليل للمرة الثانية أن الأشخاص الذين اتصلوا اتصالاً مباشراً أو غير مباشر بالجمال العربية كانوا أكثر عرضةً بكثير للإصابة بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية.
وأكدت نتائج الدراسة مجددًا أن أنشطة مثل حلب الجمال وإطعامها وذبحها زادت من خطورة الإصابة بالعدوى، بينما لم يكن لشرب اللبن غير المبستر الخطورة نفسها.
وبعد مدة قصيرة من نشر هذه النتائج، أصدرت وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية بياناً تنصح فيه مَن يتعاملون بانتظام مع الجمال "بتوخي الحذر واتباع تدابير وقائية" للحد من انتشار العدوى، وذلك بارتداء أقنعة الوجه وقفازات اليد، وبالالتزام بغسل الأيدي قبل أي تعامل مع الحيوان وبعده. كما حذر مسؤولون بالصحة أيضاً الناس من الاتصال بالجمال إلا للضرورة القصوى.
تطوير استراتيجيات وقائية
ومنذ ذلك الحين، عملت الحكومة السعودية بشكل وثيق مع منظمة الصحة العالمية لوضع تدابير فعالة يجري تطبيقها في أثناء فترة الحج. وتتضمن الجهود رفع الوعي بشأن عدوى متلازمة الشرق الأوسط التنفسية وتصعيد إجراءات الرصد لمنع حدوث تفشٍّ للعدوى. كما يُنصَح زائرو مكة المكرمة بتغطية أفواههم وأنوفهم عند السعال أو العطس، وبغسل اليدين بانتظام؛ للحد من انتشار العدوى.
يواجه العاملون في مجال الرعاية الصحية على وجه التحديد خطراً كبيراً للإصابة بالعدوى، فقد شهدت الأعوام الثلاثة السابقة حدوث عدد من حالات التفشي في المستشفيات السعودية. وكانت وزارة الصحة السعودية ترسل فرق استجابة إلى المستشفيات على الفور بعد وقوع كل حالة من حالات التفشي؛ للكشف عن حالات إصابة أخرى، ولإنفاذ تدابير مكافحة العدوى.
تقول بلخي إن الأبحاث قادت إلى إجراء تغييرات جذرية في سياسات الرعاية الصحية الخاصة بمخاطر انتقال العدوى. وتضيف أيضاً: "إن التعرف على طريقة انتقال الفيروس وخطورة تعرُّض العاملين بالرعاية الصحية له قاد إلى تحولات كبيرة في الجودة المطبقة بالمستشفيات والمعايير المحددة بها".
قادت الأبحاث كذلك إلى إنشاء وحدة مخصصة بوزارة الصحة، معنية بمراجعة ممارسات مكافحة العدوى وتدقيقها، للتحقق من تأهُّب المستشفيات واستعدادها للمواجهة".
ورغم ذلك، ما زال هناك الكثير من الأمور غير المعروفة. فعلى سبيل المثال، ما زالت الآلية التي ينتقل بها الفيروس من الحيوان إلى الإنسان غير واضحة تحديداً، وما زال الباحثون في السعودية وغيرها من الأماكن يسعون جاهدين إلى تطوير لقاح فعال ضد الفيروس.
وفي العام الماضي أطلقت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية برنامجاً بحثياً شاملاً عن فيروس كورونا بالتعاون مع وزارتي الصحة والزراعة.
كما أسهمت وزارة الصحة السعودية، بالتعاون مع المعهد الدولي للقاحات، في تنظيم ورشة عمل في الرياض حضرها باحثون، وهيئات تمويلية، ومنظمات غير حكومية لمناقشة كيفية تعجيل القضاء على المرض.
ووفقًا لتقرير ورشة العمل فإن كافة الجهات المعنية تدرك الحاجة إلى التعاون، وعزمت على تفعيل ذلك التعاون لزيادة الاستثمار في الأبحاث المجراة على متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، للخروج ببيانات موثوق فيها للتأثير على سياسات الصحة العامة.
وبالفعل تتعاون بلخي وزملاؤها في مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية ضمن العديد من المشروعات الطبية الأخرى مع باحثين ينتمون إلى جهات أبرزها جامعة أوكسفورد، لتحقيق هذه الأهداف.
References
- World Health Organization. Middle East Respiratory Syndrome corona virus (MERS-CoV). | article
- Costandi, M. MERS in Mecca? Nature Middle East. (28 July 2013). | article
- Zumla, A., Alagaili, A. N., Cotten, M., Azhar, E. I. Infectious diseases epidemic threats and mass gatherings: refocusing global attention on the continuing spread of the Middle East Respiratory syndrome coronavirus (MERS-CoV). BMC Medicine. (2016). | article
- Hemida, M. G., Chu, D. K. W., Poon, L. L. M., Perera, R. A. P. M., Alhammadi, M. A., et al. MERS coronavirus in dromedary camel herd, Saudi Arabia. Emerging Infectious Diseases. (2014). | article
- Azhar, E. I., El-Kafrawy, S. A., Farraj, S. A., Hassan, A. M., Al-Saeed, M. S. et al. Evidence for camel-to-human transmission of MERS coronavirus. The New England Journal of Medicine. (2014). | article