26 أبريل 2021
كشفت دراستان1،2 حديثتان عن كيفية استجابة الجهاز المناعي الفطري في الجسم لعدوى فيروس كورونا 2 المسبب لمتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم («سارس-كوف-2» SARS-COV-2) في الحالات الشديدة والحرجة، وهو الاكتشاف الذي يمكن أن يقودنا إلى مسارات علاجية جديدة.
أوضحت النتائج أن عيوب مناعية معينة تؤدي إلى نقص في الإنترفيرون، مما يتسبب عادةً في تدهور مسار المرض، وأن استجابة الأجسام المضادة للإنترفيرونات - كمثال على المناعة الذاتية تفسّر حالات العدوى الخطيرة لدى بعض المرضى. والإنتروفيرونات IFNs بروتينات تشارك في نقل الإشارات بين الخلايا وتؤدي دورًا في كبح الانتشار الفيروسي و تعديل الاستجابة المناعية. وحدوث نقص في المستقبلات الخاصة بإنترفيرونات معيّنة تشكّل درعًا واقية أمام الفيروسات والبكتيريا، قد يجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية. وتوضح الدراستان الجديدتان الدور الحاسم الذي تؤديه هذه الجزيئات المؤشّرة المضادة للفيروسات في الاستجابة المناعية لفيروس «سارس-كوف-2».
قاد الدراستين جان لوران كازانوفا ولوران أبيل من جامعة روكفلر في نيويورك، وشارك فيهما شيان جانج، وبول باستارد، ولينزي بي. روزين، بالتعاون مع زملاء من شتى أنحاء العالم، من بينهم سعيد التركي من مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية («كيمارك» KAIMRC).
في الدراسة الأولى، حدد جانج وزملاؤه تسلسل جينومات 659 مريضًا يعانون من التهاب رئوي مهدد للحياة ناجم عن الإصابة بمرض «كوفيد-19»، و534 مريضًا مصابين بعدوى خفيفة أو لا تظهر عليهم أعراضٌ. فحص العلماء ثلاثة جينات متحوّرة مرتبطة بالإنترفيرون لدى مرضى الالتهاب الرئوي المهدد للحياة الناتج عن الإنفلونزا، إلى جانب عشرة جينات أخرى مرتبطة بها.
واكتشف العلماء أن 3.5% من المرضى المصابين بحالات التهاب رئوي حرجة ناتجة عن «كوفيد-19» كانت لديهم طفرات في الجينات المشاركة في مسار الإنترفيرون من النوع الأول أدت إلى فقدان هذه الجينات لوظيفتها. وبعبارة أخرى، كان لدى هؤلاء الأفراد خلل مناعي فطري ما من شأنه أن تجعلهم أكثر تأثرًا بفيروسات مثل «سارس-كوف-2». وعلى الرغم من هذا، لم يُحتجز أي من هؤلاء المرضى بالمستشفيات سابقًا قط، جرَّاء أمراض فيروسية خطيرة أخرى، حسبما ذكر أبيل.
أما الدراسة الثانية، التي قادها باستارد، فقد حللت حالة 987 مريضًا احتُجزوا بالمستشفيات جراء التهاب رئوي خطير ناتج عن الإصابة بـ«كوفيد-19»، و663 حالة عدوى خفيفة أو لا تظهر عليها أعراض الإصابة بفيروس «سارس-كوف-2»، إضافة إلى عينات جُمعت من 1,227 شخصاً سليماً في المجموعة الضابطة قبل تفشي جائحة «كوفيد».
اكتشف العلماء مستويات مرتفعة من الأجسام المضادة المحيِّدة لمجموعات ثانوية من الإنترفيرون من النوع الأول لدى نحو 10% من المرضى المصابين بالالتهاب الرئوي الناتج عن «كوفيد-19». وهذه الأجسام المضادة، التي أعاقت قدرة الإنترفيرون على مكافحة عدوى «سارس-كوف-2»، لم توجد لدى حالات الإصابة الخفيفة أو التي لم تظهر عليها أعراض، أو لدى الأفراد الأصحِّاء، لكنها كانت موجودة قبل العدوى لدى المرضى الذين أُصيبوا بحالات عدوى شديدة.
يقول باستارد: "هاتان الدراستان في الحقيقة وجهان لعملة واحدة". فعن طريق خلل جيني في إحدى الحالتين واستجابة مناعية ذاتية في الأخرى، توضِّح الدراستان "آليتين مختلفتين لهما النتيجة ذاتها، وهي نقص في الإنترفيرون من النوع الأول".
شيوع العيوب الخفية
تصف أكيكو إيواساكي -الأستاذة بكلية الطب في جامعة ييل، والتي يركّز عملها على الدفاع المناعي الفطري ضد الفيروسات والمناعة التكيّفية- هذه النتائج بأنها "مفاجئة حقًّا"، لا سيّما استجابة الأجسام المضادة المحيِّدة للإنترفيرون.
وتقول إيواساكي -التي لم تشارك مع أي من فريقي البحث - موضحة: "نعرف أن تلك الأنواع من الأجسام المضادة تشيع في بعض أمراض المناعة الذاتية. ولكن حقيقة انتشارها بكثافة في الحالات الحرجة من «كوفيد-19» وتعطيلها وظيفة الإنترفيرون ستجعلك شخصاً منقوص المناعة وكأنك لا تحمل الجينات الخاصة بها".
كان كازانوفا وأبيل عضوين في فريق العلماء الذي أطلق مشروع «الجهود الجينية البشرية لمكافحة كوفيد» COVID Human Genetic Effort3 المُكرَّس لفهم الأسباب وراء فتك «سارس-كوف-2» ببعض المرضى في حين أنه لم يسبب أعراضًا لدى آخرين. وافترض العلماء أن الحالات الشديدة ربما كانت مرتبطة بتنويعات جينية شاذة وحالات قصور مناعي خفية3،4.
وتدعم الدراستان الجديدتان هذه الفكرة بتوضيح أن العيوب الجينية أو المناعة الذاتية تكمن وراء كثير من الحالات الشديدة. غير أنه ليس واضحًا بعد لماذا لم تُسبِّب تلك العوامل حالات عدوى مبكرة أو مشكلات أخرى لدى المرضى.
يقول باستارد: "المرضى الذين يعانون من عيوب جينية لم تظهر عليهم أي أعراض محددة أو عانوا من اعتلالات مصاحبة، وأغلبهم لم يعاني من حالات عدوى شديدة قبلًا". ويضيف: "لم تُتح لنا الفرصة لتحليل جميع الاعتلالات المصاحبة بالتفصيل بسبب وضع الجائحة. لقد لاقينا صعوبة في الوصول إلى التاريخ الطبي الكامل لكل مريض، ولكن حتى الآن، لا يبدو أن لدى هؤلاء المرضى أي شيء لافت للنظر بالمقارنة مع المرضى الذين لا يحملون تلك العيوب الجينية أو المناعية".
وعلى غرار إيواساكي، فوجئ بول هرتزوج -الباحث في مجال البيولوجيا المناعية والمدير المعاون لمعهد هادسون للبحوث الطبية- بوتيرة تكرار العيوب التي تكشف عنها الدراستان. يقول هرتزوج، الذي لم يشارك في أي من الدراستين: "كان الأمر مدهشًا للغاية لأنه كان أكثر شيوعًا بكثير جدًا مما نشهده عادةً في الأشكال الأخرى من قابلية الإصابة بالعدوى". ويضيف: "يشير هذا إلى احتمالية وجود عدد أكبر بكثير من العيوب الجينية المماثلة التي لم تُكتشف بعد. فثمة عشرات الجينات الأخرى التي تؤدي دورًا في إنتاج الإنترفيرون وعمله، لذا، ربما كان هذا مجرد قمة جبل الجليد".
تحيّز ذكوري ومستقبل العلاج
إن فهم فيسيولوجيا الحالات الشديدة وأسباب حدوث انهيار في نظام الإنترفيرون المضاد للفيروسات يمكن أن يفتح أمامنا سبلًا للوقاية والتدخّل المبكر. فعلى سبيل المثال، يمكن معالجة المرضى العاجزين عن إنتاج الإنترفيرون باستخدام الإنترفيرونات المُخلَّقة. وفي هذا الصدد، يقول باستارد: "يمكننا بسهولة إعطاء هؤلاء المرضى الإنترفيرون المُؤتلف من النوع الأول، إما إنترفيرون ألفا وإما بيتا، لكن من المهم جدًا توفيره في المراحل المبكرة من المرض". ويضيف أن المرضى الذين يحملون أجسامًا مضادة ذاتية لإنترفيرون ألفا يمكن معالجتهم بإعطائهم إنترفيرون بيتا، الذي لن تثبّطه الأجسام المضادة لأن تركيبه مختلف.
ويتفق أبيل مع ذلك قائلًا: "معرفة هذه المعلومات أمر بالغ الأهمية لإنقاذ المرضى المعرضين للخطر، ولا سيّما الذين لم تظهر عليهم أعراض شديدة بعد. فالعلاج باستخدام الإنترفيرون يكون فعالًا عند إعطائه في مرحلة مبكرة جدًا من العدوى. فإذا كان المريض قد احتُجز بالفعل في المستشفى لتفاقم أعراض المرض، فقد فات الأوان على الأرجح".
ولهذه النتائج تطبيقات أوسع نطاقًا كذلك في مجال العلاجات. فعلى سبيل المثال، يشير أبيل وباستارد إلى ضرورة اختبار بلازما المتعافين المُتبرع بها ا للمرضى، لضمان خلوّها من الأجسام المضادة الذاتية المحيِّدة للإنترفيرون، والتي قد تسبب المرض.
كما يوضح هرتزوج أيضًا أن "جميع المرضى في الدراستين يمثّلون على الأرجح 15% تقريبًا من الحالات بالغة الخطورة [التي] لا تستجيب إلى الإنترفيرون، أفضل دفاع طبيعي للجسم لمواجهة الفيروس". وهذا يعني أن عددًا كبيرًا من الأفراد قد لا يستجيبون للعلاجات التي تصلح لباقي الناس.
قد تفسر الأجسام المضادة للإنترفيرون أيضًا السبب وراء كون الذكور الأكبر عمرًا ضمن الفئة السكانية الأكثر تأثرًا بالمرض. ففي أغلب الأحيان، عُثر على الأجسام المضادة الذاتية المحيِّدة لدى الذكور الأكبر عمرًا؛ فقد كان 95 مريضًا من بين 101 ممن يحملون هذه الأجسام المضادة من الذكور. ويضيف أبيل أن هذه النتيجة لا تكفي لتفسير قابلية الذكور للإصابة الشديدة بـ«كوفيد-19»، لكنها قطعًا جزء من التفسير.
ويخطط أبيل -بالتعاون مع زملائه- لإضافة المزيد إلى هذه النتائج عن طريق فحص الأساس الجيني لتلك الأجسام المضادة الذاتية والأسباب وراء هذا التحيز الذكوري. ويقول موضحًا: "نحتاج إلى معرفة السبب وراء تكوين هؤلاء الأفراد الأجسام المضادة الذاتية، وما إذا كانت -على سبيل المثال- ترتبط بطريقة أو بأخرى بالكروموسوم إكس". ويرغب الباحثون كذلك في تكرار نتائجهم واختبارها على نطاق أوسع لمعرفة ما إذا كانت ستنطبق على حالات الإصابة الأخف بـ «كوفيد-19» أو غيره من الأمراض الفيروسية.
References
- Zhang, Q., et al. Inborn errors of type I IFN immunity in patients with life-threatening COVID-19. Science 370, 422 (2020) | article
- Bastard, P. et al. Autoantibodies against type I IFNs in patients with life-threatening COVID-19. Science 370, 423 (2020) | article
- Casanova, J.L., et al. A Global Effort to Define the Human Genetics of Protective Immunity to SARS-CoV-2 Infection. Cell 181, 1194-1199 (2020) | article
- Casanova, J.L., Abel, L. Lethal Infectious Diseases as Inborn Errors of Immunity: Toward a Synthesis of the Germ and Genetic Theories. Annual Review of Pathology: Mechanisms of Disease 16 (2020) | article