الكشف عن الأسباب الجينية للاضطرابات الأيضية المرتبطة بالمعادن

أبحاث الجيل الجديد من التسلسل الجيني تسلّط الضوء على الاضطرابات الجينية المرتبطة بالمعادن، مما يمهد الطريق  لكشف طرق علاجية جديدة.

Science Photo Library / Alamy Stock Photo

أشار باحثون بمركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية1، إلى أنَّ التسلسل الجيني عالي الإنتاجية على المستوى الجزيئي، يمكن أن يساعد على الكشف عن طفرات معينة مسؤولة عن الاضطرابات الأيضية المرتبطة بالمعادن، ومن ثّمَّ تطوير علاجات جديدة.

تلعب العناصر الغذائية المعدنية وشبه المعدنية دورًا محوريًّا في كثير من العمليات البنائية والوظيفية بالجسم. وعلى الرغم من أنَّ هذه العمليات البيولوجية لا تتطلب سوى كمياتٍ بالغة الضآلة من العناصر الغذائية، فإن أيَّ اختلال فيها تنتج عنه مشكلات صحية عديدة. وأوضح ماجد الفضل، الباحث بالمركز وأحد مُؤلِّفَي الدراسة، أن اختلال الأيونات المعدنية يرتبط بعديد من الأمراض والاضطرابات، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية، واضطرابات الأيض، والأمراض التنكُّسية العصبية مثل داء «آلزهايمر» ومرض «باركنسون» أو الشلل الرعاش.

ولمزيدٍ من التحديد، فإن تناول كمياتٍ غير كافية من العناصر الغذائية ضمن النظام الغذائي اليومي، والتعرُّض للاضطرابات الأيضية، يؤديان إلى حدوث نقصٍ في هذه العناصر قد تنجُم عنه مشكلات صحية تتراوح بين الخفيفة والخطيرة. وفي المقابل، تؤدي الزيادة في كمية العناصر الغذائية المعدنية بالجسم -عن طريق الطعام، أو بسبب التعرض للمعادن السامة- إلى مراكمة تلك المعادن في الأنسجة والأعضاء، خاصة في الدماغ، وهو ما يؤدي بدوره إلى إحداث تأثيرات صحية ضارة، ويعوق العمليات الطبيعية.

تجدُرُ الإشارة إلى أنَّ هذه الاضطرابات الأيضية ذات الصلة بالمعادن إنما تنشأ من عيوب في البروتينات والإنزيمات التي تدخل في عمليتي أيض العناصر الغذائية وإنتاج الطاقة. والسبب في حدوث معظم تلك العيوب إنما يرجع إلى طفرات في جين واحد (أحادية الجين). فعلى سبيل المثال، يُعزى مرَض «التنكُّس الكَبِدي العَدسي»، المعروف بـ«داء ويلسون»، إلى حدوث أكثر من 700 طفرة أحادية الجين، مما يعوق عملية طرح النحاس، مُسبِّبًا سُمِّية النحاس في الكبد والجهاز العصبي المركزي. بيد أنَّ دراسات الجيل الجديد من التسلسل الجيني التي أُجريت مؤخرًا تتعارض نتائجها مع مفهوم "جين واحد - إنزيم واحد".

وقد أجرى الباحثان ماجد الفضل ومحمد عُمير دراسة استقصائية تتناول أحدث البحوث الجينية التي تعرضت لمختلف الاضطرابات الأيضية المرتبطة بالمعادن. وعن ذلك، يقول الفضل: "لقد تمكنَّا من تسليط الضوء على قطاع من البحوث الطبية الحيوية لطالما تعرَّض للتجاهل، والتركيز على الجينات التي قد يكون لها دور أساسي في تطوير علاجات موجَّهة لهذه الاضطرابات".

وكشف الباحثان عن أن الطفرات التي تحدث في جينات متعدِّدة قد تُنتج نفس السمات الظاهرية. وعلى وجه التحديد، فإن الاضطرابات المختلفة المرتبطة باختلال مستوى الزنك، مثل التهاب الجلد النهائي المعوي، ونقص الزنك المرتبط بالرضاعة الطبيعية لدى حديثي الولادة ، تنطوي على عديدٍ من الطفرات في الجينات المُرمِّزة للعائلة البروتينية الناقلة للزنك نفسها ، غير أنها تؤدّي إلى ظهور أعراض مشابهة. ويرتبط داء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي، الذي يتسبَّب في تراكم الحديد بمستويات حادة في الكبد والبنكرياس، بحدوث طفرات في خمسة جينات مختلفة، تشارك جميعها في إنتاج بروتين «هيبسيدين» hepcidin، وهو البروتين المنظم لامتصاص الحديد في المسار المعوي.

قد تظهر على الأفراد ذوي السمات الظاهرية الهجينة طفرات تحدث في أكثر من جينين، يولدان أكثر من سمتين ظاهرتين. وهو الأمر الذي يؤدّي بدوره إلى حدوث اضطرابات جينية معقدة يصعب تشخيصها ووضع خطة علاجية لها. وعلى وجه الخصوص، فإن الاضطرابات التنكسية العصبية الخِلقية، المرتبطة بتراكم الحديد في الدماغ، تنشأ من جينات متعددة، غير أنَّ اثنين فقط من الجينات التي أمكن التعرف عليها يتحكمان في أيض الحديد. تشترك هذه الاضطرابات الوراثية أيضًا في مسارات مماثلة مع الأمراض التنكسية العصبية الأخرى، بما في ذلك مرض «باركنسون» وداء «آلزهايمر». وبالمثل، تتميز الاضطرابات الأيضية المرتبطة بالسيلينيوم بأنها على درجةٍ كبيرة من التعقيد، وترتبط بحدوث طفرات في الجينات المُرمِّزة للبروتينات السيلينية، والتي تُسهِّل حدوث تفاعلات الأكسدة والاختزال، وأيض هرمون الغدة الدرقية، والتخلص من اليود.

من شأن هذا الطرح بشأن عملية أيض المعادن، وتنظيمها، ووظيفتها، أن يشجع على تبني خطط علاجية مبتكرة. يقول الباحثان: "إذا ما تناولنا هذه المسألة من جوانبها المختلفة، فسوف تتاح لنا فُرصة ربط الأمور ببعضها، وإجراء مزيد من الأبحاث التي قد تقود إلى تطوير علاجات".

References

  1. Umair, M. & Alfadhel, M. Genetic disorders associated with metal metabolism. Cells 8, 1598 (2019). | article

أقرأ أيضا

الجائحة تنال من كافة الأعمار

بحاثٌ أُجريت مؤخرًا تُوضِّح تأثير الجائحة العالمية في الأُسَر التي يعاني بعض أفرادها من اضطراب ما بعد الصدمة والتوحد.

دراسة العلاقة بين «كوفيد-19» والتغيرات الجينية

مبادرة تعاون دولي بين البنوك الحيوية تتحدَّى نتائج سابقة  حول عوامل جينية مُحتملة  تقفوراء الإصابة الشديدة بـ«كوفيد-19».

لتبعات النفسية لمرض "كوفيد-19"

علتنا جائحة "كوفيد-19" نُقدِّر أهمية الصحة النفسية في الآونة الأخيرة. والآن، توفِّر لنا أبحاثٌ من مختلف أنحاء العالم رؤى ثاقبة بخصوص الأضرار النفسية المترتبة على الجائحة.